كان الإمام أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي، البُستي، السجستاني، من أعلم الناس في وقته بالحديث، والفقه، واللغة، والوعظ، وكان من عقلاء الرجال، وُلد في مدينة "بست” -الواقعة حاليا ضمن دولة أفغانستان- في سنة بضع وسبعين ومائتين، ورحل في سبيل طلب العلم إلى بلاد عديدة كالعراق والشام ومصر والحجاز وغيرها وسمع عن شيوخ كثيرين؛ وقد قال عن نفسه: «لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ». وقال الذهبي بعد أن نقل هذا القول عن ابن حبان: «كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة، وكثرة التصانيف». وقد مات رحمه الله في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة من الهجرة. [ينظر: الطبقات لابن عبد الهادي(3/115) والسير للذهبي:16/92].
وقد أُعطي ابن حبان رحمه الله موهبة فائقة في التصنيف والتأليف؛ فصنَّف الكثير من التصانيف، منها: "الصحيح لابن حبان” واسمه الكامل كما سماه مؤلفه "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت جرح في ناقلها”، و”كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين”، و”روضة العقلاء ونزهة الفضلاء”، و”الثقات”، و”كتاب مشاهير علماء الأمصار”، وهو هذا الذي جعلته موضوع مقالي هذا.
والكتاب يُعَدُّ من الكتب المهمة في مجال تراجم الرواة، يقع في مجلد واحد، ويشتمل على (1602) ترجمة من الرواة. وموضوعه بالتحديد كما بيّنه المؤلف: ذكر مشاهير الصحابة والتابعين وأتباع التابعين الموثوقين دون الضعفاء والمتروكين الذين سكنوا واستوطنوا إحدى المدن والأقطار المشهورة الستة: من الحجاز والعراق والشام ومصر واليمن وخراسان.
طريقة ترتيبه: رتّب المؤلف الرواة المترجمين في هذا الكتاب أولًا على الطبقات، فقسمهم إلى ثلاث طبقات: طبقة الصحابة وطبقة التابعين ثم أتباع التابعين، وفي داخل كل طبقة رتّبهم على البلدان التي سكنوها واستوطنوها سواء أدركته المنية بها أو بغيرها، وفي ذكر البلدان يقدم الحجاز ثم العراق ثم الشام ثم مصر ثم اليمن وفي الأخير يذكر خراسان، فيذكر مشاهير الصحابة بالمدينة ثم مشاهير الصحابة بمكة ثم يلتفت إلى العراق فيذكر مشاهير الصحابة بالبصرة ثم بالكوفة ثم يأتي إلى الشام فيذكر مشاهير الصحابة به، ثم يذكر مشاهير الصحابة بمصر ثم باليمن ثم بخراسان، وهكذا في التابعين وأتباع التابعين إلى نهاية الكتاب، ولم يرتب الرواة على حروف المعجم ولم يراع فيه سن الوفاة، بل لعله راع فيه الشهرة فقدَّم الأشهر فالأشهر بالبلد، فذكر في مشاهير الصحابة بالمدينة أوّلًا أبا بكر الخليفة الأول، ثم عمر ثم عثمان فعلي – رضي الله عنْهم أجمعين- ثم أتبعهم بذكر الباقين من العشرة المبشرين بالجنة، وقبل شروعه في التراجم ذكر ترجمة يسيرة للنبي صلى الله عليه وسلم.
منهجه في التراجم: يذكر التعريف الشخصي للراوي وهو: الاسم والنسب والكنية وشيئًا من أحواله ووفاته، وكثيرًا يذكر مكان وفاته ومكان دفنه، وأحيانًا يذكر مكان المولد له وتاريخه، وتراجم الرواة في الغالب تكون مختصرة فلا تزيد على سطرين أو ثلاثة أسطر في الغالب، ولا يذكر من مرويات الراوي شيئا أبدًا.
أمثلة من الكتاب: قال رحمه الله في(ص/28) تحت ذكر مشاهير الصحابة بالمدينة برقم(17): «عبد الله بن عباس بن عبد المطلب: كنيته أبو عباس ولد قبل الهجرة يعنى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين ومات بالطائف سنة ثمان وستين وقد قيل: سنة سبعين وصلى عليه محمد بن الحنفية وكبر عليه أربعًا».
وقال في(ص/205، رقم:993): «عبد الله بن حسن بن حسن بن على بن أبى طالب الهاشمي أمه فاطمة بنت الحسين بن على من سادات أهل المدينة وعُبّاد أهلها وعلماء بنى هاشم مات في حبس أبى جعفر المنصور بالهاشمية».
وقال في(ص/207، رقم:1005): «سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي الانصاري من المتقنين مات سنة أربع وثلاثين ومائة».
طبعات الكتاب: عثرت على طبعتين للكتاب: الأولى: طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، قد عنى بتصحيحه م. فلايشمهر. الثانية: طبعة دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، بتحقيق مرزوق على إبراهيم، وعليها اعتُمد في إعداد هذا البحث.
ماله وما عليه: بالجملة هذا كتاب لطيفٌ؛ يحتوي على معلومات قيمة عن مشاهير الرواة من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين فهو يمتاز بالبحث عن أحوال الرواة المشاهير فقط بخلاف الكتب الأخرى في التراجم والرواة، كما يخبرنا عن المدن المشهورة في الإسلام.
وقد ينتقد على المؤلف: بأنه لم يُرتِّب كتابه هذا على حروف المعجم فلو رتَّبه عليه لكان أفيد وأسهل على من طلب الاستخبار عن راو من الرواة في هذا الكتاب. والله أعلم بالصواب.