من الأساليب النبوية في التربية والتعليم اختيار الوقت المناسِب والظرف المناسب للوعْظ والإرشاد

الدكتور عبدالرحمن السيد عبدالغفار بلح

بسم الله الرحمن الرحيم والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى محمَّدٍ وآلِه وصَحْبِه، رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، وَوَفِّقْ يا كَريم وبَعْدُ:
التربية الإسلامية هي: "علم إعداد الإنسان المسلم لحياتي الدنيا والآخرة إعدادًا كاملا من الناحية الصحية والعقلية والعلمية والاعتقادية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والإرادية والإبداعية في جميع مراحل نموه في ضوء المبادئ والقيم الإِسلامية وفي ضوء أساليب ووسائل وطرق التربية التي بينها الإِسلام”
ويقوم منهج التربية الإسلامية على أساليب متنوعة بحسب مناسبتها لتحقيق الغرض المطلوب منها، على أن هذه الأساليب تتكامل فيما بينها لتناسب كل المواقف وتتكيف حسب الأغراض
وكان من أساليب التربية النبوية التربية العملية والتربية بالوقائع لتنمية الأخلاق لدى المسلمين، اتبع الرسول صلّى الله عليه وسلّم أسلوب التربية العملية، تعليمًا وتدريبًا، وربط التوجيه بالأحداث والوقائع الجارية في حياة الناس، والتربية الإسلامية في هذا المجال تظهر من خلال حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وقبله القرآن الكريم تربية عملية، تتحول بها الكلمة إلى عمل بناء، أو إلى خلق فاضل، أو إلى تعديل في السلوك على النحو الذي يحقق وجود ذلك الإنسان كما تصوره الإسلام ، وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يهمه أن يتحول ما يتلقاه المسلمون منه إلى مواقف عملية وسلوكيات، وكان كمرب يثبت بالبراهين العملية والتجارب الفعلية أن ما يدعو إليه هو أمر ممكن التنفيذ، وآية ذلك أنه مشخص في سلوكه ، وهناك الكثير من مواقف حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم تترجم هذا وتدل عليه، إن التربية الحقيقية هي التي تحاول أن تجعل من العلم سلوكًا حقيقيّا، ومن الأفكار مواقف، والرسول صلّى الله عليه وسلّم يصور هذا فيما يروى عنه، فالعلم قبل القول والعمل، ولكن العمل ضروري لا يكفي القول ولا العلم، حتى الإيمان يعتبر عملاً
ومن هذه الأساليب النبوية في التربية والتعليم اختيار الوقت المناسِب والظرف المناسب للوعْظ والإرشاد:
فليس كلُّ وقت يصلح لوعْظ الناس وإرشادهم، ومِن ناحية الموضوع ومناسبته للحال، فليس كلُّ ما يُعلم يُقال، ولا كلُّ ما يُقال يناسِب الحال، ومِن ناحية استعداد المدعُوِّين نفسيًّا لسماع ما يُلقَى عليهم مِن دروسٍ ومواعظَ، لا بدَّ مِن مراعاة ذلك
انـتـهـاز الـمـنـاسـبـات والفرص: من الوسائل التربوية النبوية الأكثر تأثيرًا لأنه قائم على الاستفادة من الواقع الحقيقي لاستنباط التوجيهات التربوية المناسبة وهي بدون شك أعظم أثرًا من الكلام المجرد، والنبي المربي ﷺ لم يكن يجمع أصحابه في أماكن مخصصة ليلقنهم مجموعة من المعلومات المجردة عن الواقع، بل كان يعيش معهم ويصحبهم ويغشاهم في نواديهم وأسواقهم ويزورهم في بيوتهم ويعلمهم في كل ذلك ما يهديهم ويزكيهم، ألا تراه حين أراد أن يغرس في قلب أصحابه سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه ووده جل وعلا، كيف توسل إلى ذلك بالمرأة السبية حين وجدت وليدها الرضيع، ففي "صحيح مسلم”، (2754)، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَنَّهُ قَالَ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تَبْتَغِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا ، وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟ قُلْنَا : لَا وَاللهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا” ،فالتربية النبوية تحول الحدث العادي إلى درس تربوي واقعي بسيط الأسلوب، قليل الكلام، عظيم الأثر.
ولما أراد النبي إسكان هوان الدنيا في قلوب أصحابه حتى يقدروها قدرها ولا يغتروا بها، فعل ذلك بأسلوب واقعي عجيب.
ففي "صحيح مسلم”،( 2957)، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺمَرَّ بِالسُّوقِ دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ وَالنَّاسُ كَنَفَيْهِ ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ ثُمَّ قَالَ : أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا : مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ : أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟ قَالُوا : وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ عَيْبًا فِيهِ لِأَنَّهُ أَسَكُّ ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ! فَقَالَ : فَوَاللهِ ، لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ، فانظر إلى الحبيب المربي كيف يأتي أسواق الناس ومعه متربيه وهم كثير؟! وكيف يغتنم فرصة تربوية ما أظن أن ينتبه إليها إلا صاحب حس تربوي رباني عال؟!
وفي "صحيح مسلم”،(1017)، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺفِي صَدْرِ النَّهَارِ ، قَالَ:فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ ، أَوِ الْعَبَاءِ مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ ، عَامَّتُهُمْ مِنْ مُضَرَ بَلْ كُلُّهُمْ مِنْ مُضَرَ فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺلِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ فَدَخَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ، وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ } إِلَى آخِرِ الْآيَةِ { إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } وَالْآيَةَ الَّتِي فِي الْحَشْرِ { اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ } تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ ، مِنْ دِرْهَمِهِ ، مِنْ ثَوْبِهِ مِنْ صَاعِ بُرِّهِ ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ ، حَتَّى قَالَ: وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا ، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ ، وَثِيَابٍ حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ ﷺ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً ، فَلَهُ أَجْرُهَا ، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ ، وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً ، كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا ، وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ ”
وفي "مسند أحمد”،( 18834)، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺإِذْ بَصُرَ بِجَمَاعَةٍ فَقَالَ : عَلَامَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ ؟ قِيلَ : عَلَى قَبْرٍ يَحْفِرُونَهُ ، قَالَ : فَفَزِعَ رَسُولُ اللهِ ﷺفَبَدَرَ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ مُسْرِعًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْقَبْرِ ، فَجَثَا عَلَيْهِ ، قَالَ : فَاسْتَقْبَلْتُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ ، فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا ، قَالَ : أَيْ إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا .
فلم يقتصر حسن تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه على طريقة النصح والإرشاد، ولكن تعدى حسن التعليم ليشمل اختيار الوقت المناسب للموعظة، ويأتي ذلك بعدم توجيه المواعظ والإرشاد في كل وقت وفي كل مناسبة، حتى لا يشعر الإنسان بالملل والسامة
فمن ‌اغتنام ‌الفرص في الدعوة أن يتخول الدعاة المدعوين بالموعظة الحسنة في غير إكثار ممل، فإن كثرة الكلام تنسيه وتمله، ولذلك كان رسول الله يتخول أصحابه بالموعظة الحسنة مخافة السآمة عليهم مع أن حديثه كان أعذب حديث يستمعون إليه
ففي "صحيح البخاري”،( 68)،و في "صحيح مسلم”،(2821)،عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ «يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ، كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا» ،وفي رواية عند البخاري،(70)، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُذَكِّرُ النَّاسَ فِي كُلِّ خَمِيسٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَوَدِدْتُ أَنَّكَ ذَكَّرْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ؟ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُمِلَّكُمْ، وَإِنِّي أَتَخَوَّلُكُمْ بِالْمَوْعِظَةِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَخَوَّلُنَا بِهَا، مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا ”
يقول البغوي في "شرح السنة”،(1/314):
” قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُذَكِّرُنَا كُلَّ يَوْمِ خَمِيسٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّا نُحِبُّ حَدِيثَكَ، لَوَدِدْنَا أَنَّكَ حَدَّثْتَنَا كُلَّ يَوْمٍ، فَقَالَ: «مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ إِلا كَرَاهِيَةَ أَنْ أُمِلَّكُمْ»، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، قَوْلُهُ: «يَتَخَوَّلُنَا»، أَيْ: يَتَعَهَّدُنَا بِهَا فِي مَظَانِّ الْقَبُولِ، لَا يُكَلِّمُنَا فِي كُلِّ وَقْتٍ لِئَلا نَسْأَمَ، وَمِثْلُهُ التَّخَوُّنُ، يُقَالُ: تَخَوَّلْتُ الرَّجُلَ وَتَخَوَّنْتُهُ، وَالْخَائِلُ: الْمُتَعَهِّدُ لِلشَّيْءِ الْحَافِظُ لَهُ، قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلاءِ: الصَّوَابُ «يَتَحَوَّلُهُمْ» بِالْحَاءِ، أَيْ: يَطْلُبُ أَحْوَالَهُمُ الَّتِي يَنْشَطُونَ فِيهَا لِلْمَوْعِظَةِ، فَيَعِظُهُمْ فِيهَا، وَلا يُكْثِرُ عَلَيْهِمْ فَيَمَلُّوا، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: حَدِّثِ الْقَوْمَ مَا حَدَجُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْكَ قُلُوبُهُمْ، فَإِذَا انْصَرَفَتْ عَنْكَ قُلُوبُهُمْ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ، قِيلَ: وَمَا عَلامَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «إِذَا الْتَفَتَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَرَأَيْتَهُمْ يَتَثَاءَبُونَ، فَلا تُحَدِّثْهُمْ»، قَوْلُهُ: «حَدَجُوكَ بِأَبْصَارِهِمْ» أَيْ: رَمَوْكَ بِهَا، يُرِيدُ: حَدِّثْهُمْ مَا دَامُوا يَشْتَهُونَ حَدِيثَكَ، فَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْكَ، فَاسْكُتْ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «حَدِّثِ النَّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإِنْ أَبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإِنْ أَكْثَرْتَ، فَثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَلا تُمِلَّ النَّاسَ هَذَا الْقُرْآنَ، وَلا أُلْفِيَنَّكَ تَأْتِي الْقَوْمَ، وَهُمْ فِي حَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِهِمْ، فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ، فَتُمِلَّهُمْ، وَلَكِنْ أَنْصِتْ، فَإِذَا أَمَرُوكَ، فَحَدِّثْهُمْ وَهُمْ يَشْتَهُونَهُ، وَانْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ، فَاجْتَنِبْهُ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلا ذَلِكَ».
وَقَالَتْ عَائِشَةُ لِعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: «أَلَمْ أُحَدِّثْكَ أَنَّكَ تَجْلِسُ وَيُجْلَسُ إِلَيْكَ؟» قَالَ: بَلَى يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: «فَإِيَّاكَ وَإِمْلالَ النَّاسِ وَتَقْنِيطَهُمْ»، وَرُوِيَ أَنَّهَا قَالَتْ لَهُ: «اقْصُصْ يَوْمًا، وَاتْرُكْ يَوْمًا، لَا تُمِلَّ النَّاسَ»”. انتهي
هذا أسلوبٌ نبويّ في الدعوة، وسط بين الإفراط والتفريط، يحكيه الصحابي الجليل الذي تلقّاه من النبي ﷺ وذاق أثره الطيّب وطبّقه هو عمليّاً
أخرج ابن حبان في "صحيحه”، (7111)،والبزار كما في” كشف الأستار”، (2658) ، واللالكائي في "شرح أصول أهل السنة”،(2756)، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ طِيبَ نَفْسٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ لِي، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنَبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ، مَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ”، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِهَا مِنَ الضَّحِكِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي؟ "، فَقَالَتْ: وَمَا لِي لَا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ فَقَالَ ﷺ: "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ”
في هذا الحديث طلب دعاء من الزوج، واختيار الوقت المناسب من أم المؤمنين رضي الله عنها، واغتنام الفرصه، واغتنام الفرص أسلوب تربوي
وفي هذا الحديث: فضل الدعاء للمسلم بظهر الغيب، وأنه يحصل للداعي مثلها، وأن دعوته لا ترد، وكان بعض السلف إذا أراد أن يدعوا لنفسه دعا لأخيه المسلم بتلك الدعوة
فمن الحكمة في الدعوة والتربية أن يختار الداعية والمربي الأوقات المناسبة في وعظه وتذكيره للناس، حتى لا يملوا ، كان النبي ﷺ يتخوّلنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا، حتى ولو كان الواعظ رسولَ الله!! ذلك أنه يُراعِي الظروف النفسية للسامعين فيتحدث حين يكون للحديث قابلية أفضل واستعداد أحسن، لتلقّي كلمات المتكلم وفهْمها واستيعابها، وكثرةُ المواعظ المتتابعة قد لا تُجدي بل قد تدعو للسآمة والملل، إنه ﷺ يراعي سنّة التدرج الطبيعي، ويتطلب الإقناع الراسخ الثابت ولو جاء بطيئاً، ويتحاشى الإيمان المتقلِّب غير الثابت ، وأيضاً فإنه ﷺ يَسُنّ السنّة لمن بعده من الدعاة والعلماء ، فهو يرسم لهم الطريق عملياً بسيرته! فينبغي لهم أن يقتدوا به في ذلك عملياً ، يتعهدهم بالموعظة في الأيام، وذلك أمْرٌ وسطٌ بين التهاون وترْك التذكير والوعظ الذي يُنْسى، وبين الوعظ والتذكير المستمر الذي يُمِلُّ، وكلا هذين داءٌ خطير يتحاشاه ﷺ بسيرته هذه، فيتخولهم ويتعهدهم بالموعظة، ومِنْ تخوّله لهم بالموعظة أنه يتحيَّن المناسبات لمواعظه، فتقع موقعها في النفوس: فمِنْ جَدْيٍ ميْت يمرّ به في الطريق مع أصحابه يشبّه به الدنيا، ومِنْ رَجُل يمرّ به في نَفَرٍ من أصحابه في نشاط وقوة مشمّراً عن ساعده للعمل فيسأل أصحابه عن رأيهم فيه ثم يوجههم بمناسبة ذلك، ورجلٍ آخر يَمُرُّ حسن الهيئة وأخر رثُّ الهيئة يتفاوتان في الإيمان والإخلاص، يسأل أصحابه عن رأيهم فيهما فيقوّمون حالهما بمظهرهما فقط، فيقول في الرجل قوي الإيمان الذي كان رثّ الهيئة: هذا خير من مِلْءِ الأرض مثل هذا، ومن مناسبةٍ ليومٍ فاضلٍ أو شهرٍ أو أيامٍ أو عيدٍ أو آيةٍ تنزل أو حالةٍ تَحْصل أو قصة تقال أو فعلٍ صائب أو عملِ خيرٍ يفعله أحد أصحابه، أو خطأٍ يرتكبه أحد الناس إلى غير ذلك من المناسبات الداعية للتوجيه والتعليم والوعظ، لقد كان حريصاً ﷺ على الدعوة والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن حرصه على ذلك لم يُخْرجه عن الحكمة واختيار أفضل السبل وأيسرها للوصول للغاية، كان صلى الله عليه وسلم، بتدرجه في التعليم وتحيّنه الفرص والمناسبات يختار الوقت المناسب للكلمة الطيبة، لأن وضع الكلمة الطيبة في غير موضعها ليس بمحمود وليس دعوة
وماذا نعني باختيار الوقت المناسب: هو جزء من الحكمة، التي هي: وضع الأشياء في مواضعها، والله تعالى يقول: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}، وقد قيل في تعريف الحِكمة هي: فِعْل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي ، والوقت المناسب: هو الزمن الأفضل لعمل أمر ما، لو وضع في غيره لحصل غيرُ المرغوب فيه، أو وقع ضرر أو مفسدة
يقول تعالي:{ وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) }[القصص:51].
يقول الحق جلّ جلاله: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ أي: لقريش ولغيرهم، الْقَوْلَ القرآن، أي: تابعناه موصولاً بعضه ببعض في المواعظ والزواجر، والدعاء إلى الإسلام، قاله ابن عطية، وقال ابن عرفة اللُّغَوِي: أي: أنزلناه شيئاً بعد شيء، ليصل بعضه ببعض، ليكونوا له أوعى، وتنزيله كذلك ليكون أبلغ في التذكير ولذلك قال: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، يعني: أن القرآن أتاهم متتابعاً متواصلاً وعداً، ووعيداً، وقصصاً، وعِبَراً، ومواعظ ليتذكروا فيفلحوا، وقيل: معنى وصلنا: أبلغنا، وهو أقرب لتبادر الفهم، وفي البخاري: أي: «بيّنا وأتممنا»، وهو عن ابن عباس.
وقال مجاهد: فصّلنا، وقال ابن زيد: وَصَلْنَا خير الدنيا بخير الآخرة، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا، الإشارة: تفريق المواعظ في الأيام، شيئاً فشيئاً، أبلغ وأنفع من سردها كلها في يوم واحد، وفي الحديث: كان صلى الله عليه وسلم يَتَخَوَّلُنَا بالموعِظَةِ……”، والتخول: التعاهد شيئاً فشيئاً
والحكمة من أعظم الركائز وأهمها التي تقوم عليها الدعوة إلى الله.
والحكمة في الدعوة إلى الله تعالى عرّفها الحضريتي ، بأنها: "الفقه في الدين والعمل الذي يورّث إصابة الحق في القول والفعل، وإتقان الأمور، ووضعها في موضعها المناسب”.
ولهذا أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو بها في قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} ، والحكمة في المفهوم الدعوي لا تقتصر على الكلام اللين، أو أسلوب الترغيب وحده، أو التودد والتلطف دوما فحسب، بل هي تشمل ذلك وغيره وحقيقتها أن توضع هذه الأمور وغيرها من التصرفات الحميدة والأساليب الجميلة وتستخدم في مواضعها المناسبة لها، فالرفق واللين يستخدمان في موضعهما، والحزم والقوة يستخدمان في موضعهما المناسب لهما، والحكمة لا تعني بأي حال من الأحوال الضعف والخور والجبن ولا تعني كذلك العنف والقسوة والشدة
ورسول الله ﷺ صاحب الكلمة الطيبة ونبي الرحمه هو المثل الأعلى لأمته لم يكن فظًا غليظًا، بل كان سهلًا سمحًا، لينًا، دائم البشر، يواجه الناس بابتسامة حلوة، ويبادرهم بالسلام والتحية والمصافحة وحسن المحادثة ، ففي "صحيح البخاري”،(6031)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ سَبَّابًا، وَلاَ فَحَّاشًا، وَلاَ لَعَّانًا، كَانَ يَقُولُ لِأَحَدِنَا عِنْدَ المَعْتِبَةِ: «مَا لَهُ تَرِبَ جَبِينُهُ» ،وفي "جامع الترمذي”،( 1977)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ”.
أمثلة من القرآن الكريم على اختيار الوقت المناسب:
المثال الأول: اختيار الوقت المناسب لقراءة القرآن والتدبر ولا شك أن أفضله ما كان ليلًا، وأفضل ذلك ما كان بعد نوم لمن وُفِّق له، حيث قال سبحانه وتعالى : {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]،ويقول ابن حجر عن مُدَارَسَة جبريل لرسول الله ﷺ في كل ليلة من رمضان: «المقصود من التلاوة الحضور والفهم؛ لأن الليل مَظِنَّة ذلك؛ لما في النهار من الشواغل والعوارض الدنيوية والدينية» اهـ ، ويقول النووي: «ينبغي للمرء أن يكون اعتناؤه بقراءة القرآن في الليل أكثر، وفي صلاة الليل أكثر، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة، وإنما رجحت صلاة الليل وقراءته؛ لكونها أجمع للقلب، وأبعد عن الشاغلات والمُلْهِيَات والتصرف في الحاجات، وأصون عن الرياء وغيره من المُحْبِطَات، مع ما جاء به الشرع من إيجاد الخيرات في الليل، فإن الإسراء بالرسول كان ليلًا» اهـ
المثال الثاني : يقول تعالي:{فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)} [يوسف:31]، وَقالَتِ: اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ أي وبيناهم في تناول الفاكهة والطعام، وكلّ تمسك بسكينها، أمرته بالخروج عليهن، بعد أن كانت قد خبأته في مكان آخر، وكانت ذكية ماهرة في اختيار الوقت المناسب وهو أن يفجأهن وقت انشغالهن بما يقطعنه ويأكلنه
المثال الثالث: في اختيار الوقت المناسب في دخول الإماء والأطفال على البالغين، فقد اختار الله تعالى لهم أوقاتًا غاية في المناسبة، فقال سبحانه: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمْ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنْ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم”،(6/82-83):
” هَذِهِ الْآيَاتُ الْكَرِيمَةُ اشْتَمَلَتْ عَلَى اسْتِئْذَانِ الْأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَمَا تقدَّم فِي أَوَّلِ السُّورَةِ فَهُوَ اسْتِئْذَانُ الْأَجَانِبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يستأذنَهم خَدَمُهم مِمَّا ملكَت أَيْمَانُهُمْ وَأَطْفَالُهُمُ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: الْأَوَّلُ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إِذْ ذَاكَ يَكُونُونَ نِيَامًا فِي فُرُشِهِمْ {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} أَيْ: فِي وَقْتِ الْقَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَضَعُ ثِيَابَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَعَ أَهْلِهِ، {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} لِأَنَّهُ وَقْتُ النَّوْمِ، فيُؤمَرُ الخدمُ وَالْأَطْفَالُ أَلَّا يهجمُوا عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، لِمَا يُخْشَى مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ………..”.
المثال الرابع: يقول تعالي: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، فجعل النوم في الليل لأنه أسكن للقلب والبدن؛ لما يتميز به الليل من الهدوء والستر، وجعل النهار للعمل وابتغاءِ الرزق والفضل؛ لما يتميز به من ضياء الشمس والحركة والإبصار.
المثال الخامس:
ما جاء في قوله تعالى عن موسى وفرعون والسحرة: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} فاختيار ضحوة ذلك اليوم الذي يجتمع فيه الناس في مكان مكشوف ليرى كل الناس المناظرة الحاسمة هو عين الحكمة وكانت نتيجة المواجهة الحكيمة بعد توفيق الله أن تحول السحرة الكفرة الفجرة إلى مؤمنين أتقياء بررة ، فمن الحكمة في الدعوة اختيار الوقت المناسب لعرضها واستغلال الفرص المناسبة والظروف المواتية لتبليغها، وتجنب الأوقات والأحوال التي لا تتهيأ النفوس فيها للاستماع والاستيعاب كما دلت عله الآية الكريمة
أمثلة من السنة على اختيار الوقت المناسب:
التربية بالوعظ، لها دورها الهام في غرس القيم الإسلامية بميادينها المختلفة
وكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم يغتنم فرصة التصرفات العملية التي تقتضي توجيها تربويا أو عمليا ليأخذ منه المسلمون درسا إيجابيا، فكان يدعو إلى قيمة أو يصحح سلوكا، أو ينفي هذا السلوك الخاطئ وهي طريقة فعالة لأنها ترتبط بالوقائع المشاهدة وتتصل بما يعيشه الناس، ولذا ترسخ في الذهن، وتثبت في القلوب، وبهذا ترتبط القيم بواقع الحياة، وهذا يعني أن غرس القيم لا يقتصر على مجرد التعلم والحفظ والتسميع، وإنما يعتمد على واقع الحياة والخبرة المعيشية وبالتالي يكون تأثيرها قويا، لأنها تثير الانتباه الذي يجمع الفاعلية النفسية حول ظاهرة ما، عن طريق الحس إن كانت هذه الظاهرة خارجية، وعن طريق التأمل إن كانت داخلية
المثال الأول: أن النبي ﷺ صبر ثلاث عشرة عامًا على وجود الأصنام وعبَّادها في مكة، وهو يصلي في المسجد الحرام ويطوف حول الكعبة، وحولها 360 صنمًا، بل طاف في عمرة القضاء مع أصحابه وهو يراها ولا يمسها، حتى أتى الوقتُ المناسب في فتح مكة، فأزالها قويًا ظافرًا منتصرًا
أول شيء فعله النبي ﷺ بعد دخوله مكة فاتحاً ومنتصرا: أنه توجه إلى المسجد الحرام، واستلم الحجر الأسود، وطاف بالكعبة التي كان حولها ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يكسرها وهو يردد قول الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}(الإسراء:81)، ففي "صحيح البخاري”،(4720)، و”صحيح مسلم”،(1781)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ، وَحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وَثَلاَثُ مِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ فِي يَدِهِ، وَيَقُولُ: ” {جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ، إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، {جَاءَ الحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ البَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49] ”
يقول ابن حجر في "فتح الباري”،(8/17): ” فعل النَّبِي ﷺ ذَلِك لإذلال الْأَصْنَام وعابديها ولإظهار أَنَّهَا لَا تَنْفَع وَلَا تضر وَلَا تدفع عَن نَفسهَا شَيْئا ".
المثال الثاني:
في "صحيح البخاري”،(7372)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: لَمَّا بَعَثَ النبيُّ ﷺ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ إلى نَحْوِ أهْلِ اليَمَنِ قالَ له: إنَّكَ تَقْدَمُ علَى قَوْمٍ مِن أهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أوَّلَ ما تَدْعُوهُمْ إلى أنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى، فَإِذَا عَرَفُوا ذلكَ، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قدْ فَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في يَومِهِمْ ولَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا صَلَّوْا، فأخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم زَكَاةً في أمْوَالِهِمْ، تُؤْخَذُ مِن غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ علَى فقِيرِهِمْ، فَإِذَا أقَرُّوا بذلكَ فَخُذْ منهمْ، وتَوَقَّ كَرَائِمَ أمْوَالِ النَّاسِ ” ، فعلى من ينصح أن يختار الوقت المناسب لإسداء النصيحة ، فليس مقبولا أن ننصح إنسانا و هو في شدة غضبه ، أو في ظروف لا تسمح له بالاستجابة ، و تجعله يرفض النصيحة و يفعل عكسها .
المثال الثالث:
اختيار المكان المناسب فعن أَبُي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قال: كُنْتُ أَضْرِبُ غُلامًا لِي بِالسَّوْطِ فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ، فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺفَإِذَا هُوَ يَقُولُ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي- وفي رواية: فَسَقَطَ مِنْ يَدِي السَّوْطُ مِنْ هَيْبَتِهِ- فَقَالَ: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلامِ فَقُلْتُ لا أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا- وفي رواية: فقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ:أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ” أخرجه مسلم،( 1659)
وأخرج البخاري في "صحيحه”،(1936)،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: «مَا لَكَ؟» قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟» قَالَ: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ»، قَالَ: لاَ، فَقَالَ: «فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا». قَالَ: لاَ، قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ – وَالعَرَقُ المِكْتَلُ – قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ؟» فَقَالَ: أَنَا، قَالَ: «خُذْهَا، فَتَصَدَّقْ بِهِ» فَقَالَ الرَّجُلُ: أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا – يُرِيدُ الحَرَّتَيْنِ – أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ»
فقد كان الظرف مناسباً ومرتبطا بالحدث فكان النصح أوقع وأنفع
ومن ذلك اختيار الوقت والمكان المناسب في توجيه وتربية الأولاد :
إن لاختيار الوالدين للوقت المناسب في توجيه ما يريدان، وتلقين أطفالهم ما يحبان دوراً فعالاً في أن تؤتي النصيحة أكلها، وإن اختيار الوقت المناسب المؤثر في الطفل، يسهل ويقلل من جهد العملية التربوية؛ فإن القلوب تقبل وتدبر، فإن استطاع الوالدان – زمن إقبال قلوب أطفالهم – توجيههم؛ فإنهم سيحققون فوزاً كبيراً بعملهم التربوي، وإن الرسول صلى الله ﷺ كان دقيق النظر إلى تحين الزمان والمكان المناسبين لتوجيه الطفل، والاستفادة منهما في تلقين الطفل الأفكار، وتصحيح سلوكه الخاطئ وبناء سلوك سليم صحيح.
والتربية الإسلامية تتميز باستمرارها طيلة حياة الإنسان، ولأنها تتناسب مع عمر الإنسان، وتشمل جوانب شخصيته كان لها أشكال متعددة لا تنفصل بل تتعاون لتربي الطفل المسلم
وقد قدم النبي ﷺ لنا ثلاثة أوقات أساسية في توجيه الطفل، فما هي هذه الأوقات؟
1- النزهة، والطريق، والمركب:
ففي "جامع الترمذي”،( 2516)،عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا، فَقَالَ: "يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ” ،الحديث يدل على أن هذه التوجيهات النبوية كانت في الطريق، وهما يسيران إما مشياً على الأقدام، أو سيراً على الدابة، ولم تكن هذه التوجيهات في غرفة محدودة، وإنما في الهواء الطلق، حيث نفس الطفل أشد استعداداً للتلقي، وأقوى على قبول النصائح، والتوجيهات، حتى إن الرسول ﷺ ليحمل أحد الأطفال في الطريق سراً من أسراره لكي يحفظه، وما ذلك إلا لقوة تأثر الطفل للتلقي في مثل هذه الأوقات، ففي "صحيح مسلم”،( 342)، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَاجَتِهِ هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، قَالَ ابْنُ أَسْمَاءَ فِي حَدِيثِهِ: "يَعْنِي حَائِطَ نَخْلٍ”، وفي سنن أبي داود”،(2549)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِحَاجَتِهِ هَدَفًا، أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ، قَالَ: فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ ﷺ حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ، فَقَالَ: "مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ "، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: "أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ”.
2- وقت الطعام: ففي هذا الوقت يحاول الطفل أن ينطلق على سجيته، ويضعف أمام شهوة الطعام، فيتصرف أفعالاً شائنة أحياناً، ويخل بالآداب أحياناً أخرى، وإذا لم يجلس الوالدان معه باستمرار أثناء الطعام، ويصححا له أخطاءه، فإن الطفل سيبقى في براثن العادات السيئة المنفرة، كذلك فإن عدم الجلوس معهم في أثناء طعامهم، سيفقد الوالدين وقتاً مناسباً لتلقي الطفل، وتعلمه :ففي "صحيح البخاري”،( 5377)، و”صحيح مسلم”،(2022):عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَهُوَ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: أَكَلْتُ يَوْمًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَعَامًا، فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ»، وفي "جامع الترمذي”،( 1857)، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ قَالَ: "ادْنُ يَا بُنَيَّ، وَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ”، وغدا الصحابة يصطحبون معهم أطفالهم إلى الولائم، وخاصة التي يحضرها رسول الله ﷺ فيتعلمون في هذه الولائم علماً نفعاً، وآداباً جامعة، فيكتسبون قوة الرجولة شيئاً فشيئاً.
أخرج أبو داود في "سننه”،(3332)، وأحمد في "المسند”، واللفظ له (22509): عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي جِنَازَةٍ، فَلَمَّا رَجَعْنَا لَقِيَنَا دَاعِي امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةً تَدْعُوكَ وَمَنْ مَعَكَ إِلَى طَعَامٍ، فَانْصَرَفَ فَانْصَرَفْنَا مَعَهُ، فَجَلَسْنَا مَجَالِسَ الْغِلْمَانِ مِنْ آبَائِهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، ثُمَّ جِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ، وَوَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَفَطِنَ لَهُ الْقَوْمُ، وَهُوَ يَلُوكُ لُقْمَتَهُ لَا يُجِيزُهَا، فَرَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَغَفَلُوا عَنَّا، ثُمَّ ذَكَرُوا فَأَخَذُوا بِأَيْدِينَا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَضْرِبُ اللُّقْمَةَ بِيَدِهِ حَتَّى تَسْقُطَ، ثُمَّ أَمْسَكُوا بِأَيْدِينَا يَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَلَفَظَهَا فَأَلْقَاهَا فَقَالَ: «أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا»، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِي أَنْ أَجْمَعَكَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى طَعَامٍ، فَأَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ فَلَمْ أَجِدْ شَاةً تُبَاعُ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ابْتَاعَ شَاةً أَمْسِ مِنَ الْبَقِيعِ، فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ أَنْ ابْتُغِيَ لِي شَاةً فِي الْبَقِيعِ، فَلَمْ تُوجَدْ فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ اشْتَرَيْتَ شَاةً، فَأَرْسِلْ بِهَا إِلَيَّ، فَلَمْ يَجِدْهُ الرَّسُولُ وَوَجَدَ أَهْلَهُ فَدَفَعُوهَا إِلَى رَسُولِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَطْعِمُوهَا الْأُسَارَى»
3- وقت مرض الطفل:
المرض يلين قلوب الكبار القساة، فما بالك بالأطفال الذين ما زالت قلوبهم عامرة باللين، وحسن الاستقبال؟! فالطفل عندما يمرض يجمع بين سجيتين عظيمتين في تصحيح أخطائه، وسلوكه، حتى معتقده: سجية فطرية الطفولة، وسجية رقة القلب والنفس في أثناء المرض، وقد وجهنا إلى هذا رسول الله ﷺ فزار طفلاً يهودياً مريضاً، ودعاه إلى الإسلام، وكانت الزيارة مفتاح عهد النور لذاك الطفل، ففي "صحيح البخاري”،(1356)، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ»، وعند أحمد في "المسند”،( 12792)، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضَعُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَضُوءَهُ وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَدَخَلَ عَلَيْهِ، وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا فُلَانُ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ فَسَكَتَ أَبُوهُ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ الْغُلَامُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِي مِنَ النَّارِ»، وفي "صحيح ابن حبان”،( 2960)، عَنِ أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَرِضَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: "اذْهَبُوا بِنَا إِلَيْهِ نَعُودُهُ” فَأَتَوْهُ وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْفَعُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَنْظُرُ إِلَى أَبِيهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: انْظُرْ مَا يَقُولُ لَكَ أَبُو الْقَاسِمِ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ”
أرأيت كيف كان هذا الطفل يخدم النبي ﷺ ولم يدعه إلى الإسلام بعد، إلى أن وجد النبي ﷺ الوقت المناسب لدعوته، فأتاه وعاده ، وهكذا أصبح بيدي الوالدين ثلاثة أوقات رئيسية مناسبة في توجيه الطفل، وبناء شخصيته، وهي: وقت النزهة، والطريق، والركوب، ووقت الطعام، ووقت المرض، وإلى غيرها من الأوقات التي يجدها الوالدان مناسبة لطفلهم
ختاماً: التربية الإسلامية منهج كامل للحياة، ونظام متكامل لتربية، ورعاية النشء، وتحرص على الفرد، والمجتمع، وعلى الأخلاق الفاضلة، والقيم المادية والروحية الرفيعة، وتوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وتقوم التربية الإسلامية على أُسس تعبدية وأسس تشريعية، وتتضمن الأُسس الفكرية نظرة الإسلام إلى الإنسان والكون والحياة
والهدف الجامع لكل جوانب التربية هو هداية الكائن الإنساني إلى الدين الحق، دين التوحيد، وإلى اعتناقه والاهتداء بأحكامه، وإخلاص العبودية لله
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَأَوَّلًا وَآخِرًا

الحواشي:

– مستلةً من : في ظلال دعاء كان يدعوا به النبي ﷺ لأمته في كل صلاة "وَاللَّهِ إِنَّهَا لَدُعَائِي لِأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلَاةٍ”، للجامع عفا الله عنه .
– مستلةً من مقدمة الذهبي رحمه الله :” الموقظة في علم مصطلح الحديث”،(ص:23)
– ينظر:”جوانب التربية الإسلامية”،( ص26)، و” منابع مشكلات الأمة الإسلامية والعالم المعاصر ودور التربية الإسلامية وقيمها فى معالجتها”،(ص71)
– ينظر: «التربية الإسلامية أصولها وتطورها في البلاد العربية» (ص79)
-ينظر:” فى التربية الإسلامية”،(ص157)
– ينظر:” أصول التربية الإسلامية”،(ص82)
– ينظر:”نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم” (1/ 149-150)
– فن اختيار الوقت في الموعظة، مرشد الحيالي، https://www.alukah.net/sharia/0/23529/
– ينظر: «شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم» (1/ 372)
– ينظر: طرق الدعوة إلى الله،الحمد، «مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة» (1/ 119)، و”خمسون وصية ووصية لتكون خطيبا ناجحا”،(ص:37)
– ينظر:” دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا”،(ص:117)
– قال الهيثمي في "مجمع الزوائد”،( 15327)، ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي وهو ثقة
– ومن ذلك أن الإسلام دعا إلى الصدقة وحضَّ عليها بأسلوب يستهوي الأفئدة، ويبعث الهمَّات
إلى اغتنام الفرص قبل الممات،قال تعالى: (مّثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلّ سُنبُلَةٍ مّئَةُ حَبّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة : 261)، قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران : 92)، قال تعالى: (آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمّا جَعَلَكُم مّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَأَنفَقُواْ لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد : 7)
وفي "صحيح البخاري”،(1442)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺقَالَ: مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ ، إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا "، وفي "صحيح البخاري”،(1410)،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا الطَّيِّبَ ، وَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ”.ينظر: ” الضياء اللامع من صحيح الكتب الستة وصحيح الجامع”،(ص:283)
وقد حَثَّنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْظَمَ الْحَثِّ وَحَضَّنَا أَشَدَّ الْحَضِّ وَدَعَانَا إِلَى اغْتِنَامِ الْفُرَصِ فِي زَمَنِ الْمُهْلَةِ وَأَخْبَرَنَا أَنَّ مَنْ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ تَمَنَّاهُ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إِذْ يَقُولُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ دَاعِيًا عِبَادَهُ إِلَى بَابِهِ, يَا مَنْ يُسْمَعُ صَرِيحُ خِطَابِهِ وَيُتَأَمَّلُ لَطِيفُ عِتَابِهِ: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزُّمَرِ: 53-59] الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ} [الرُّومِ: 43] الْآيَاتِ, وَقَالَ تَعَالَى: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشُّورَى: 47] الْآيَاتِ, وَغَيْرُهَا”
ينظر:” معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول "،(2/712)
ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما سأل الرسول ﷺ، أصحابه، ففي "صحيح مسلم”،(1028 )، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَا ، قَالَ: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جِنَازَةً ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَا . قَالَ: فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَا . قَالَ: فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فهذه القصة، تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص، وتنويع العبادات ولما وقع السؤال من النبي ﷺ مفاجئاً دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات، وقد بلغ السلف رحمهم الله في ازديادهم من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغاً عظيماً، ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة من السلف منهم حماد بن سلمة قال فيه الإمام عبد الرحمن بن مهدي: ” لو قيل لحماد بن سلمة: أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً ” [ينظر: "سير أعلام النبلاء”،( 7/447)]
– ينظر: "تطريز رياض الصالحين”،(ص:819)
– يراجع:” أثر أعمال القلوب على الداعية والدعوة”،(ص:519-535)
– ينظر: ” دعوة إلى السنة في تطبيق السنة منهجا وأسلوبا”، د.الرحيلي "،(ص:118-120)
-ينظر:” مدارج السالكين "، (2/479).
– فَنُّ اختيار الوقت المناسب ،د.الحليبي، https://khutabaa.com/ ، اطلع عليه بتاريخ :17/9/2021م
-ينظر:” البحر المديد في تفسير القرآن المجيد "،(4/259)
– ينظر:”أثر أعمال القلوب على الداعية والدعوة”(ص:520)
– ينظر: ‌‌ركائز منهج السلف في الدعوة إلى الله، د. المجلي، «مجلة البحوث الإسلامية» (88/ 186)
-يراجع : "نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم”،(8/3270-3291)
– ينظر:” الخلاصة في تدبر القرآن الكريم”، د. السبت، (ص:50) )، نقلًا عن : ” التبيان في آداب حملة القرآن "، للنووي، ( ص: 52 – 53)
– ينظر: التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج”، د. الزحيلي، (12/254)
– ينظر:” محاسن التأويل” ،(5/105)
– ينظر: ‌‌ركائز منهج السلف في الدعوة إلى الله، د. المجلي، «مجلة البحوث الإسلامية» (88/ 190)، بتصرف، و”البصيرة في الدعوة إلى الله”،(ص:92)
– ينظر: «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم» (1/ 142)
-ينظر: «نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم» (1/ 151)، و” سيكولوجيية القصة في القرآن”،(ص:527)
– تحطيم الأصنام ، د. مصطفى السباعي
– فَنُّ اختيار الوقت المناسب، د.فيصل بن سعود الحليبي، http://www.saaid.net/Doat/faisal/37.htm
– فَنُّ اختيار الوقت المناسب، د.فيصل بن سعود الحليبي
– ينظر: «كيف تربي ولدك» (ص64)
– الأساس الثاني – تحين الوقت المناسب للتوجيه، محمد نور سويد، https://rasoulallah.net/ar/articles/article/25015/
– ينظر: «التربية الإسلامية أصولها ومنهجها ومعلمها» (ص18)
– ينظر:«أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع» (ص107)

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of