في ظلال حديث: "رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”

الدكتور عبدالرحمن السيد عبدالغفار بلح الحديث وعلومه

الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ، وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ، وَالرِّفْعَةِ وَالْعَلَاءِ، وَالْمَجْدِ وَالثَّنَاءِ تَعَالَى عَنِ الْأَنْدَادِ وَالشُّرَكَاءِ، وَتَقَدَّسَ عَنِ الْأَمْثَالِ وَالنُّظَرَاءِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى نَبِيِّهِ وَصَفِّيِهِ مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ، عَدَدَ ذَرَّاتِ الثَّرَى، وَنُجُومِ السَّمَاءِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَلِكِ السَّلَامِ، الْمُؤْمِنِ الْمُهَيْمِنِ الْعَلَّامِ، شَارِعِ الْأَحْكَامِ، ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ التَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ، وَأَنْعَمَ عَلَيْنَا بِكِتَابِهِ الْمُفَرِّقِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى حَبِيبِهِ، وَخِيرَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَنَامِ، عَدَدَ سَاعَاتِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ نُجُومِ الظَّلَامِ، وَعَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ الْبَرَرَةِ الْكِرَامِ، أَمَّا بَعْدُ:[2]،أخرج مسلم في "صحيحه”،(713)، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَو عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ "، وفي رواية عند أبي داود،(465)،” إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ "، وعند الترمذي(314)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الكُبْرَى قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ المَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”، وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ، وَقَالَ: "رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ”،
وفي رواية (315):”كَانَ إِذَا دَخَلَ قَالَ: "رَبِّ افْتَحْ لِي بَابَ رَحْمَتِكَ”، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: "رَبِّ افْتَحْ لِي بَابَ فَضْلِكَ”
وعند ابن ماجة (771)عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ”، وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ”، وعند أحمد (26417)، "وَإِذَا خَرَجَ قَالَ: "بِسْمِ اللَّهِ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي، وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ”
وعند ابن ماجة (773)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”،  وفي رواية عند ابن خزيمة (2706):”وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”.
من الدعوات العظيمة التي كان يدعوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد، وهو من جوامع كلم النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وهي دعوةٌ جامعةٌ لأبواب الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، ولما كانت المساجد أحب البقاع إلى الله تعالى؛ لأنها بيوت الطاعة ومظنة لنزول الرحمة وأساسها على التقوى، فيها يعبد الله ويوحد، أرشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى من دخل المسجد إلى أدعية جامعة مناسبة للحال وسر تخصيص طلب الرحمة بالدخول وسؤال الفضل بالخروج أن من دخل المسجد اشتغل بما يقربه إلى الله تعالى وإلى رضوانه وجنته من الصلاة والذكر والدعاء، فناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل، قال تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10] [3]
والمسلم في كل عبادته يستعين بالله عز وجل فهو المعين عليها، وهو الهادي إليها، فيحف الله تعالى عبادة عباده بالتوفيق إليها، ورعايتها وسدادها، وقبولها وحفظها، إذن لا بد للعبد أن يكون متصلاً بربه في كل أموره، ومستمداً إعانته في كل أحواله، وانظر إلى هذا المسلم وقد ترك الدنيا فاراً إلى بيت الله عز وجل يلوذ بجنابه، منطرحاً عند بابه، يسأله العون عند دخوله إلى المسجد وإيابه
 قوله: "إذا دخل المسجد” أي حال دخوله المسجد، وقوله: "إذا خرج” أي حال خروجه منه، قوله: "بسم الله” عند الدخول وعند الخروج، الباء للاستعانة، وكلُّ فاعل يقدر الفعل المناسب لحاله عند البسملة، والتقدير هنا: بسم الله أدخل، أي: طالباً عونَه سبحانه وتوفيقه، وهكذا الشأن في الخروج، قوله: "والصلاة والسلام على رسول الله[4]
قوله:”اللهم اغفر لي ذنوبي”: أي معاصي وإثمي واحدها ذنب والغفر الستر مع المحو والتجاوز عن السيئات
"وافتح لي أبواب رحمتك” لما كانت متوجهًا للعبادة ناسب سؤال الرحمة[5]
اغفر لي: أي استر ذنوبي وتجاوز عن عيوبي، وأصل الغَفْر التغطية، والمغفرة: إلباس الله تعالى العفوَ للمذنبين.[6]
"اللهمّ احفظني” أي احرسني واعذني واعصمني "من الشّيطان الرّجيم” أي المطرود المبعود[7]
كَانَ إِذا دخل الْمَسْجِد صلى على مُحَمَّد وَسلم وَقَالَ رب اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب رحمتك وَإِذا خرج صلى على مُحَمَّد وَسلم وَقَالَ "رب اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب فضلك” طلب الْمَغْفِرَة فِي هَذَا الْخَبَر وَمَا قبله تشريعا لأمته لِأَن الْإِنْسَان حمل التَّقْصِير فِي سَائِر الأحيان وأبرز ضمير نَفسه الشَّرِيفَة عِنْد ذكر الغفران تحليا بالانكسار بَين يَدي الْملك الْجَبَّار وَفِي هَذَا الدُّعَاء عِنْد الدُّخُول استرواح أَنه من دواعي فتح أَبْوَاب الرَّحْمَة لداخل[8]
ويقول صاحب فيض القدير: "وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله”[9]، في حديث فاطمة رضي الله عنها ذكر المغفرة قبل الرحمة، يقول في ذلك علي القاري: "وفي تقديم الغفران على الفتح نكتة لا تخفى، وخطر ببالي – والله أعلم – أنه يمكن أن تكون النكتة هي: أن الداخل لما كان متوجهاً إلى العبادة فطلب الرحمة الناشئة منها؛ فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ولما كان الخارج متوجهاً إلى الأمور المباحة؛ فحينئذ يناسب أن يطلب فضله تعالى من عنده من غير مباشرة عبادة وسبب رحمة وعناية”، ومعلوم أن الشيطان عدو للمسلم يصده عن ذكر الله، وعن الصلاة، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ}[10]،
لماذا خصت الرحمة بالدخول، وخص الفضل بالخروج؟[11]
يقول الطيبي رحمه الله تعالى: "لعل السر في تخصيص الرحمة بالدخول، والفضل بالخروج؛ أن من دخل اشتغل بما يزلفه إلى ثوابه وجنته، فيناسب ذكر الرحمة، وإذا خرج اشتغل بابتغاء الرزق الحلال فناسب ذكر الفضل كما قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاة فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ}انتهى”، ويقول العباد – أيضاً -: "لعلَّ ذلك لأنَّ الداخلَ طالبٌ للآخرة، والرَّحمةُ أخصُّ مطلوبٍ له، والخارجُ طالبٌ للمعاش في الدنيا وهو المراد بالفضل”[12]
وقد دلَّت النصوصُ المتقدِّمة على أهميَّة التعوُّذ بالله من الشيطان الرجيم، والالتجاء إلى الله  عزَّ وجلَّ منه سواء عند دخول المسجد، أو عند الخروج منه، وفي الدخول، وأنَّ، وما مِن شكٍّ أنَّ الشيطان حريصٌ على الإنسان غاية الحرص عند دخول المسجد ليَصدّه عن صلاته، وليفوت عليه خيرها، وليقلل حظّه ونصيبه من الرحمة التي تنال بها، وحريص غاية الحرص على الإنسان عند خروجه من المسجد ليسوقه إلى أماكن الحرام، وليوقعه في مواطن الريب، فإن كان طريق خير قعد له فيه ليُثبطه عنه، وليُثنه عن المُضِيِّ فيه، وإن كان بخلاف ذلك قعد له فيه ليشجعه على المضيِّ فيه، وليدفعه على الاستمرار والمواصلة، وفي هذا الدعاء ذكر في الاستعاذة كونها بالله – تعالى – بعظمته، ووجهه الكريم، وسلطانه القديم، قال الله عز وجل: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[13]، وباستشعار المسلم لهذه المعاني تراه محافظاً على مثل هذه الأوراد، راجياً ما فيها من خير، منتصراً بالله، معتصماً به من الشيطان الرجيم، ومن جنده أجمعين، جاء في” مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح "،(2/615):”قالت:”كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم”: وهو يحتمل قبل الدخول وبعده، والأول أولى، ثم حكمته بعد تعليم أمته أنه صلى الله عليه وسلم كان يجب عليه الإيمان بنفسه، كما كان يجب على غيره، فكذا طلب منه تعظيمها بالصلاة منه عليها، كما طلب ذلك من غيره، وقال: "رب”: وفي الرواية السابقة: اللهم فالكل سنة "اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك”: وفي تقديم الغفران على الفتح نكتة لا تخفى، وإذا خرج صلى على محمد وسلم وقال: «رب اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك»: وعن الطيبي نكتة في الفرق بالرحمة والفضل في الدخول والخروج، وخطر ببالي – والله أعلم – أنه يمكن أن تكون النكتة، هي: أن الداخل لما كان متوجها إلى العبادة فطلب الرحمة الناشئة منها، فإن رحمة الله قريب من المحسنين، ولما كان الخارج متوجها إلى الأمور المباحة، فحينئذ يناسب أن يطلب فضله تعالى من عنده من غير مباشرة عبادة وسبب رحمة وعناية[14]”، ويقول السندي في "كفاية الحاجة في شرح سنن ابن ماجه”،(1/259)”، قَوْلُهُ:”وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” تَشْرِيعًا لِلْأُمَّةِ وَبَيَانًا لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأُمَّةِ حَتَّى فِي ابْتِغَاءِ السَّلَامِ عَلَى نَفْسِهِ إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَإِنَّمَا شُرِعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ دُخُولِ الْمُصَلِّي الْمَسْجِدَ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَوُصُولِهِ الْخَيْرَ الْعَظِيمَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ بِالْخَيْرِ وَتَخْصِيصِ الرَّحْمَةِ بِالدُّخُولِ وَالْفَضْلِ بِالْخُرُوجِ لِأَنَّ الدُّخُولَ وُضِعَ لِتَحْصِيلِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ وَخَارِجُ الْمَسْجِدِ هُوَ مَحَلُّ الطَّلَبِ لِلرِّزْقِ "[15]، و يقول ابن رسلان في "شرح سنن أبي داود "،(3/297):” وهذا يَدُل على أن مَن خرجَ مَعَهُ غَيره فليَأت بصيغة الجَمع: اللهمُ إنا نسألك من فَضلكَ، وسُؤَال الفَضل عند الخُروج مِنَ المَسْجد مُوَافِقٌ لِقَوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} يَعني: الرزق الحَلال، وقيل: ابتغُوا مِنْ فَضل الله، هُوَ طَلبُ العِلم، والوَجهَان مُتَقَاربَان، فَإنَّ العِلم هُو مِن رزق الله تعالى، فإن الرزق لا يختَص بقوت الأبدَان؛ بَل يَدْخل فيهِ قوت الأرواح والأسمَاع وغَيرهَا..”،وقال النووي في”شرح صحيح مسلم”(5/224):”فِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا الذِّكْرِ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا مُفَصَّلَةً فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَمُخْتَصَرُ مَجْمُوعِهَا أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّمِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَفِي الخروج يَقُولُهُ لَكِنْ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ”، ويقول العيني في”شرح سنن أبي داود”،(2/374)قوله:” اللهم افتح لي أبواب رحمتك ” أي: أنواع رحمتك، وقدجاءت في هذا الباب أذكار كثيرة ومختصر مجموعها: أن تقول:” أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم، باسم الله، والحمد الله، اللهم صل على محمد، وعلى اَل محمدٍ وسلَم، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك "، وفي الخروج يقوله؛ لكن يقول: ” اللهم إني أسألك من فضلك "وفي "نيل الأوطار”،(2/181-182) فَيَنْبَغِي لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَالْخَارِجِ مِنْهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالدُّعَاءِ بِالْفَتْحِ لِأَبْوَابِ الرَّحْمَةِ دَاخِلًا وَلِأَبْوَابِ الْفَضْلِ خَارِجًا، وَيَزِيدُ فِي الْخُرُوجِ سُؤَالَ الْفَضْلِ وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، قَالَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ»، وَمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور: 61] قَالَ: هُوَ الْمَسْجِدُ إذَا دَخَلْته فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ” ،ويقول الاثيوبي في ” ذخيرة العقبى في شرح المجتبى "،(9/157):” ينبغي للمسلم أن يلازم هذه الأذكار في دخول المسجد وخروجه، فإن تيسر له أن يقول كلها، فحسن، وإلا فليقل منها ما تيسر له. ومن الغريب أن كثيراً من طلاب العلم، فضلًا عن عامة الناس، لا يهتمون بمثل هذه الأذكار، وهو حرمان عظيم، فقد سبق في بعضها أنه حرز من الشيطان، حيث يقول الشيطان إذا سمع الإنسان يقوله: حُفِظَ مني سائر اليوم، وهذا فضل عظيم.
الفوائد المستنبطة من الحديث:
1-فيه فضل الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد وعند الخروج منه، وهو من المواطن التي يُستحبُّ الصلاةُ فيها والسلامُ على رسول الله ، من مَوَاطِن الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد دُخُول الْمَسْجِد وَعند الْخُرُوج مِنْهُ [16]، قال القاضي عياض:”ومن مواطن الصلاة والسلام عند دخول المسجد”[17]، ويقول النووي في ” المجموع شرح المهذب "،(2/179):” يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِاسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمد وعلى آل مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي أبواب فضلك: وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأَذْكَارُ فَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَرِّقَةٌ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ، فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال”إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك …”.أ.ه[18]، وينوي امتثال السنة حين دخوله المسجد في الدعاء الوارد في ذلك[19]، وهذا مستحب لكل من دخل مسجداً أي مسجد كان[20]، والاستعاذة عند دخول المسجد والخروج منه: نص المالكية، والشافعية، والحنابلة على ندب الاستعاذة عند دخول المسجد، وأما الحنفية فلم نقف لهم على قول في ذلك[21]
2-من دخل المسجد فليقل: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك، وعند الخروج يقول ذلك ويقول: وافتح لي أبواب فضلك. وما جلس قوم مجلسا ثم تفرقوا ولم يذكروا الله ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة، ومن أكثر من الصلاة والسلام عليه كفاه الله همه وقضى حاجته وغفر له ذنبه، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفع له عشر درجات، وكل أمر ذي بال حلي بذكر الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أحل فيه البركة، وكل أمر ذي بال لا يذكر الله فيه ولا يصلى فيه على النبي صلى الله عليه وسلم فهو أجذم ممحوق البركة، فالإكثار من الصلاة عليه فيها غفران الزلات، وتكفير السيئات وإجابة الدعوات، وقضاء الحاجات وتفريج المهمات والكربات، وحلول الخيرات والبركات، ورضى رب الأرض والسماوات، وهي نور لصاحبها في قبره، منجية من الشرور والآفات، وفيها القيام ببعض حقه وتنمية محبته في القلب التي هي من أشرف القربات، وهي من أسباب الهداية إلى صراط مستقيم، وهي دعاء وسؤال للرب الرحيم، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: 56][22]
3- ثبت ذكر الرحمة في دعاء دخول المسجد وقد ثبت فيه حديث أبي حميد، وأبي أسيد معاً، وجاء فيه حديث أبي هريرة، وفاطمة رضي الله عنهم[23]، و”الرحيم” من أسماء الله ،نؤمن  بالرحيم على أنه اسم من أسمائه، ونؤمن بما تضمنه من صفة الرحمة، وأن الرحمة صفة حقيقية ثابتة لله دل عليها اسم الرحيم، ونؤمن بأثر هذه الرحمة من يستحقها[24]،  واسم الله الرحمن يجمع كل معاني الرحمة فهو ذو الرحمة الذي لانظير له فيها،وهو ذو الرحمة الشاملة التي وسعت الخلق في أرزاقهم وأسباب معاشهم ومصالحهم، وهو ذو النهاية في الرحمة الذي وسعت رحمته كل شيء، وهو سبحانه الذي رحم كافة خلقه مؤمنهم وكافرهم بأن خلقهم وأوسع عليهم في رزقهم، وهو الرحيم بعباده المؤمنين بأن هداهم إلى الإيمان وهو يثيبهم في الآخرة الثواب الدائم الذي لاينقطع [25]، يقول السعدي: "الرحمنُ، الرحيمُ، والبرُ، الكريمُ، الجوادُ، الرؤوفُ، الوهابُ – هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدلّ كلُّها على اتصاف الرب، بالرحمة، والبر، والجود، والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عمَّ بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته. وخصَّ المؤمنين منها، بالنصيب الأوفر، والحظ الأكمل، قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ}الآية، والنعم والإحسان، كله من آثار رحمته، وجوده، وكرمه، وخيرات الدنيا والآخرة، كلها من آثار رحمته”[26]، ومَن فُتِحت له أبواب الرَّحمة تتابعت عليه الخيرات والبركات والألطاف الرَّبانية في الدنيا وفي الآخرة،ومعنى ذلك أنَّه حصلت له الأنوار والهدايات بجميع أنواعها: هدايات الإرشاد، وهدايات التَّوفيق، ويحصل له مع ذلك من أنواع البرِّ والخير والمحابِّ والمسارِّ إلى أن يصير إلى النَّعيم الـمُقيم في الجنَّة، فإنَّها رحمة الله، يرحم بها مَن شاء من عباده، وفي الدعاء افتح لي أبوابَ رحمتك، فهنا لم يُحدد شيئًا مخصوصًا، فيدخل فيه كلّ ما يمكن أن يُتصوّر من أبواب الرحمة الدّنيوية والأخروية.
4- اسم الله الفتَّاح[27]: ورد اسم الله الفتـــاح مرة واحدة في قوله تعالى :{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ}[سبأ: 26]، وورد مرة واحدة بصيغة الجمع ، في قول الله عزَّ وجلَّ:{ .. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89]، والفتـــاح الذي يفتح أبــــواب الرزق والرحمة لعبـــاده أجمعين، ويفتح المُنغلق عليهم من أمورهم وأسبـــابهم، ومنها قوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ..}[الأعراف:96]، وهو سبحانه يفتح أبواب الرزق لمن يشاء ومنها قول الله تعالى:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[فاطر:2]، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[يونس:17]، والفتـــاح الذي يفتح أبـــواب الامتحـــان والبــلاء للمؤمنين الصادقين، قال تعالى:{فَلَمَّـا نَسُــوا مَــا ذُكِّــرُوا بِـهِ فَتَحْنَــا عَلَيْهِـمْ أَبْـوَابَ كُـلِّ شَيْءٍ حَتَّـى إِذَا فَرِحُـوا بِمَـا أُوتُــوا أَخَذْنَاهُـمْ بَغْتَـةً فَـإِذَا هُمْ مُبْلِسُـونَ}[الأنعام:44]،والفتـــاح الذي يحكم بين العبــاد فيما هم فيه يختلفون، كما في قوله تعالى:{.. رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ}[الأعراف:89]، فالفتـــاح: صفة جمــالٍ وجــلال، لإنه سبحانه وتعالى يفتح أبـــواب رحمته ورزقه للطــائعين ، كما إنه قد يفتح أبــواب البلاء والهلاك على الكافرين.
يقول ابن القيم :
وَكَذِلكَ الفَتَّاحُ مِنْ أَسْمَائِهِ … والفَتْحُ في أَوْصَافِهِ أَمْرَانِ
فَتْحٌ بِحُكْمٍ وَهْوَ شَرْعُ إِلَهِنَا … والفَتْحُ بالأَقْدَارِ فَتْحٌ ثانِ
والربُّ فَتَّاحٌ بذَيْنِ كِلَيْهِمَا … عَدْلاً وإِحْسَاناً مِنَ الرَّحْمَنِ [28]
يقول السعدي في "تيسير الكريم الرحمن”،(ص:946):” "الفتاح” الذي يحكم بين عباده بأحكامه الشرعية، وأحكامه القدرية، وأحكام الجزاء، الذي فتح بلطفه بصائر الصادقين، وفتح قلوبهم لمعرفته ومحبته والإنابة إليه، وفتح لعباده أبواب الرحمة والأرزاق المتنوعة، وسبب لهم الأسباب التي ينالون بها خير الدنيا والآخرة {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}”.
حظ العبد من اسم الله الفتـــاح:
1- دوام التوكُّل :أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب ، وأن تطلب منه وحده مفاتيــح الخيــر .. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: «إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ..”، أخرجه البخاري (2842)
2- كن أنتَ مفتاحـــًا للخيـــر : عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ هَذَا الْخَيْرَ خَزَائِنُ، وَلِتِلْكَ الْخَزَائِنِ مَفَاتِيحُ، فَطُوبَى لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لِلْخَيْرِ، مِغْلَاقًا لِلشَّرِّ، وَوَيْلٌ لِعَبْدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ مِفْتَاحًا لَلشَّرِّ، مِغْلَاقًا لِلْخَيْرِ” ،أخرجه ابن ماجة (238 )، فعليك أن تكون مبـــاركــًا حيثما كنت
3- التوحيـــد والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم :وهي أعظم المفاتيـــح للخير والرزق ،أخرج مسلم(234)، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: ” مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ – أَوْ فَيُسْبِغُ – الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ "، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا، إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى العَرْشِ، مَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ”، أخرجه الترمذي(3590)، ومن الأدعيــة الواردة في القرآن والسُّنَّة : رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [29]
5- طلب المغفرة في هذا الخبر وما قبله تشريعا لأمته لأن الإنسان حمل التقصير في سائر الأحيان وأبرز ضمير نفسه الشريفة عن ذكر الغفران تحليا بالانكسار بين يدي الملك الجبار وفي هذا الدعاء عند الدخول استرواح أنه من دواعي فتح أبواب الرحمة لداخله  [30]، فمن غفر له ورحم وفقه الله لتكميل العبادات، ومن عليه بما يفعل في المسجد من الطاعات، وإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى، وقال: بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك، ليكون متعلقا رجاؤه بربه في أمور دينه، ودنياه، فإن من سأل ربه وتوكل عليه رزقه من حيث لا يحتسب وكفاه[31]، وقد سنَّ الله لنا الاستغفار في مواضع كثيرة ليساعدنا على نفوسنا وينصرنا على غفلتنا[32]
أخرج أبو داود (832 )، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِئُنِي مِنْهُ، قَالَ: ” قُلْ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ "، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَمَا لِي، قَالَ: ” قُلْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي "، فَلَمَّا قَامَ قَالَ: هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنَ الْخَيْرِ”، وعند أبي داود (850)، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي”
” وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا وَحَسْبُنَا اللَّهُ ونعم الوكيل "[33]
الحواشي:
[1]-أستاذ الدراسات الإسلامية ، صباح الأحد الموافق :18 من شهر جمادي الآخر 1442ه، 31 يناير 2021م
[2]- مستلةً من مقدمة البغوي رحمه الله لكتابه:” معالم التنزيل في تفسير القرآن "،(1/33)

[3]-ينظر: "الفتوحات الربانية”، لابن علان (2/ 42)،و ” الجَامعُ لأحكامِ الصَّلاة وصِفة صَلاة النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”،(ص:64)

[4]-ينظر:” فقه الأدعية والأذكار”، عبد الرزاق البدر (3/120-121).

[5]-ينظر:” الإحكام شرح أصول الأحكام”،(1/193)،

[6]-ينظر:” فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب”،(7/133)

[7]-ينظر:”شرح الشفا”،للملا علي القاري(2/156)

[8]-ينظر:”الشمائل الشريفة”،(ص:138)

[9]-ينظر:” فيض القدير” (5/129).

[10]- ينظر: "مرقاة المفاتيح”، (2/408).

[11]- وَإِنَّمَا شرعت الصَّلَاة عَلَيْهِ عِنْد دُخُول الْمَسْجِد لِأَنَّهُ مَحل الذّكر وَخص الرَّحْمَة بِالدُّخُولِ وَالْفضل بِالْخرُوجِ لِأَن من دخل اشْتغل بِمَا يزلفه إِلَى الله وثوابه فَنَاسَبَ ذكر الرَّحْمَة فَإِذا خرج انْتَشَر فِي الأَرْض ابْتِغَاء فضل الله من الرزق فَنَاسَبَ ذكر الْفضل ينظر:” الشمائل الشريفة”،(ص:137)

[12]-ينظر:”فقه الأدعية والأذكار”، عبد الرزاق البدر، (3/120).

[13]-ينظر:”فقه الأدعية والأذكار”،  عبد الرزاق البدر، (3-121).

[14]- جاء في "التيسير بشرح الجامع الصغير”،(2/248):”خص الرَّحْمَة بِالدُّخُولِ وَالْفضل بِالْخرُوجِ لِأَن الدَّاخِل يشْتَغل بِمَا يزلفه إِلَى الله فَنَاسَبَ ذكر الرَّحْمَة وَالْخَارِج يَبْتَغِي الرزق فَنَاسَبَ ذكر الْفضل  وَسلم وَقَالَ:” رب اغْفِر لي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لي أَبْوَاب فضلك” طلب الْمَغْفِرَة تشريعاً لأمته وأبرز ضَمِيره عِنْد ذكر الغفران تحلياً بالانكسار بَين يَدي الْجَبَّار”. 

[15]- وتستحب الصلاة عليه صلّى الله عليه وسلم عند دخول المسجد والخروج منه للحديث، وإذا خرج صلى على محمد وسلم ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك»، وتستحب الصلاة عليه بعد سماع الأذان والدعاء، وتستحب الصلاة عليه في يوم الجمعة
ينظر: ” الأساس في التفسير”،(8/4478)

[16]- يراجع: ” جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام”،(ص:378)،و” زاد المعاد في هدي خير العباد”،(2/337)، و” الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلها ومعناها وكيفيتها ومواضعها والتحذير من تركها”،(ص:16)

[17]-  ينظر:”الشفا”، (2/ 637)، و يراجع هذه المواطن بالأدلة في "من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم”،(1/105-111)،و ” تنبيه المؤمن الأواه بفضائل لا إله إلا الله”،(ص:134-153)

[18]- يراجع: "الدر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود”،(ص:209-211)، و” مختصر الإفادات في رُبْع العبادات والآداب”، لابن بلبان (ص:84)  

[19]-” المدخل "، لابن الحاج،(1/45)،  

[20]-” الدر الثمين والمورد المعين”،(ص:511)، و ” صلاة الجماعة – مفهوم، وفضائل، وأحكام، وفوائد، وآداب في ضوء الكتاب والسنة”،(ص:73)

[21]-يراجع:” الموسوعة الفقهية الكويتية "،(4/11)، و” الصلاة وصف مفصل ….”،(ص:239-241)

[22]- ينظر: ” الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات”،(ص:146)

[23]-يراجع: ” إفراد أحاديث اسماء الله وصفاته – غير صفات الأفعال – في الكتب الستة”،(3/249) ،و” شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة”،(ص:152)

[24]-ينظر:” أسماء الله وصفاته وموقف أهل السنه منها”،(ص:13)

[25]-ينظر:” إفراد أحاديث اسماء الله وصفاته – غير صفات الأفعال – في الكتب الستة "،(2/83)

[26]-ينظر:” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان”،(ص:946)

[27]- "شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسُّنَّة”،(ص:154-155)، و” إفراد أحاديث اسماء الله وصفاته – غير صفات الأفعال – في الكتب الستة”،(ص:108-109)

[28]- ينظر:”القصيدة النونية”،(ص:210)

[29]- ” الموسوعة العقدية”،(1/493)،و” اللهم افتح لنـــا أبـــواب رحمتك وافتح لنــا أبـــواب فضلك واجعلنا من عبـــادك الصالحيـــن "، https://almunajjid.com/speeches/lessons/150، و”شرح وأسرار الأسماء الحسنى”، طريق الإسلام ، http://iswy.co/e12ibf

[30]- ينظر: "فيض القدير شرح الجامع الصغير”،(5/129)

[31]- ينظر: "الفواكه الشهية في الخطب المنبرية والخطب المنبرية على المناسبات”،(ص:109)

[32]- عجائب الاستغفار، محمد المنجد

[33]- مابين المعقوفين مستلةً من ختم النووي رحمه الله لكتابه :”المجموع شرح المهذب”،(9/404) 

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of