ملخص القول في أحاديث النزول في ليلة النصف من شعبان

محمد حامد بن محمد شفيع المدني الحديث وعلومه

تنبيه: هذا المقال مأخوذ من كتابي: «جامع البيان في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في شهر شعبان» (كاتب المقال).

حديث نزول العلي سبحانه وتعالى ليلة النصف من شعبان رواه أربعة عشر صحابيا، وهم: أبو بكر الصديق، ومعاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وأبي بن كعب، وعلي بن أبي طالب، وأبو موسى الأشعري، وعثمان بن أبي العاص، وعائشة، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وعبد الله بن عباس، وعوف بن مالك، وأبو ثعلبة الخشني، وأبو أمامة الباهلي رضي الله عنهم، وقد روي ذلك عن الوضين بن عطاء، وراشد بن سعد المقرائي، وعطاء بن يسار، وحكيم بن كيسان أيضا.
فهل هذه الأحاديث تصل إلى مرتبة القبول، أم ما زالت في حيز المردود؟ هناك قولان لأهل العلم في ذلك:
القول الأول: إن هذه الأحاديث تصل إلى مرتبة القبول، وممن ذهب إلى هذا:
1- ابن تيمية، فقال: «ومن هذا الباب: ليلة النصف من شعبان، فقد روي في فضلها من الأحاديث المرفوعة والآثار ما يقتضي أنها ليلة مفضلة، وأن من السلف من كان يخصها بالصلاة فيها، وصوم شهر شعبان قد جاءت فيه أحاديث صحيحة. ومن العلماء -من السلف من أهل المدينة، وغيرهم من الخلف- من أنكر فضلها، وطعن في الأحاديث الواردة فيها، كحديث: «إن الله يغفر فيها لأكثر من عدد شعر غنم كلب» وقال: لا فرق بينها وبين غيرها.
لكن الذي عليه كثير من أهل العلم، أو أكثرهم، من أصحابنا وغيرهم على تفضيلها، وعليه يدل نص أحمد؛ لتعدد الأحاديث الواردة فيها، وما يصدق ذلك من الآثار السلفية، وقد روي بعض فضائلها في المسانيد والسنن، وإن كان قد وضع فيها أشياء أخر.» (اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 136- 138))
2- وأبو عبد الرحمن الحوت، فقال: «وبالجملة، فعدة ما ورد في ليلة نصف شعبان يدل على فضلها، كما ذكره أهل العلم.» (أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب (ص: 343))
3- وعبد الرحمن المباركفوري، فقال: «اعلم أنه قد ورد في فضيلة ليلة النصف من شعبان عدة أحاديث، مجموعها يدل على أن لها أصلا.» (تحفة الأحوذي (3/365))
وقال أيضا: «فهذه الأحاديث بمجموعها حجة على من زعم أنه لم يثبت في فضيلة ليلة النصف من شعبان شيء، والله تعالى أعلم.» (تحفة الأحوذي (3/367))
4- ومحمد ناصر الدين الألباني، فقال: «فهذه الطرق الكثيرة لا يشك من وقف عليها أن الحديث صحيح، لا سيما وبعض طرقه حسن لذاته، كحديث معاذ وأبي بكر رضي الله عنهما.» (رسالة فيما قرره الثقات الأثبات (ص: 49))
وقال أيضا: «وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والصحة تثبت بأقل منها عددا، ما دامت سالمة من الضعف الشديد، كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في "إصلاح المساجد” عن أهل التعديل والتجريح أنه: «ليس في فضل ليلة النصف من شعبان حديث صحيح»، فليس مما ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل التسرع، وعدم وسع الجهد، لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك. والله تعالى هو الموفق.» (سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/138-139))
وقال: «على أنه لا يلزم من ذلك –أعني: من ثبوت فضلها- أن يخصصها بصلاة خاصة بهيئة خاصة لم يخصها الشارع الحكيم بها، بل ذلك كله بدعة يجب اجتنابها، والتمسك بما كان عليه الصحابة والسلف الصالح، ورحم الله من قال:
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر بابتداع من خلف.» (رسالة فيما قرره الثقات الأثبات (ص: 60))
5- وجماعة من علماء الأزهر، فقالوا: «أما إحياء الإنسان لهذه الليلة وحده بالعبادة المطلقة في جملة ما تيسر له إحيائه من ليال، رجاء أن يكون لها في استجابة الدعاء وقبول العبادة المزية التي وردت في أحاديث فضلها فليس فيه من بأس، وهذه الأحاديث تكفي داعيا للإقبال فيها على العبادة، وتنفي أن يكون قيام الرجل فيها بشيء من العبادة المطلقة عن التقييد بعدد معين أو هيئة مخصوصة بدعة، وإن لم تبلغ هذه الأحاديث درجة الصحيح. وعلى هذا، فليس على المسلم من حرج في إحياء هذه الليلة منفردا مع ربه بمختلف أنواع العبادة: من صلاة، وذكر، وقراءة قرآن، ودعاء الأدعية المأثورة الصحيحة، فإن ذلك أرجى للقبول.» (رسالة فيما قرره الثقات الأثبات (ص: 64))
القول الثاني: إن هذه الأحاديث مردودة، لا تصل إلى مرتبة القبول، مع كثرة أسانيدها، وتعدد طرقها، وممن ذهب إلى هذا:
1- أبو جعفر العقيلي، فقال في "الضعفاء الكبير”: «وفى النزول في ليلة النصف من شعبان أحاديث فيها لين، والرواية في النزول في كل ليلة أحاديث ثابتة صحاح، فليلة النصف من شعبان داخلة فيها، إن شاء الله.» (الضعفاء الكبير (3/29))
2- وأبو بكر ابن العربي، فقال: «ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يعول عليه، لا في فضلها، ولا في نسخ الآجال فيها، فلا تلتفتوا إليها.» (أحكام القرآن (4/117))
وقال أيضا: «ليس في ليلة النصف من شعبان حديث يساوي سماعه.» (عارضة الأحوذي (3/275))
3- وأهل التعديل والتجريح: فقال الحافظ أبو الخطاب ابن دحية في كتابه "ما وضح واستبان” (ما وضح واستبان (ص: 43)): «قال أهل التعديل والتجريح: ليس في حديث ليلة النصف من شعبان حديث يصح.»
وقال ابن رجب: «في فضل ليلة نصف شعبان أحاديث أخر متعددة، وقد اختلف فيها: فضعفها الأكثرون، وصحح ابن حبان بعضها، وخرجه في صحيحه.» (لطائف المعارف (ص: 136))
4- وابن باز، فقال: «ومن البدع التي أحدثها بعض الناس: بدعة الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وتخصيص يومها بالصيام، وليس على ذلك دليل يجوز الاعتماد عليه، وقد ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد عليها، أما ما ورد في فضل الصلاة فيها فكله موضوع.»
وقال أيضا: «والذي عليه جمهور العلماء أن الاحتفال بها بدعة، وأن الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، وبعضها موضوع، وممن نبه على ذلك الحافظ ابن رجب في كتابه "لطائف المعارف” وغيره، والأحاديث الضعيفة إنما يعمل بها في العبادات التي قد ثبت أصلها بأدلة صحيحة، أما الاحتفال بليلة النصف من شعبان فليس له أصل صحيح حتى يستأنس له بالأحاديث الضعيفة، وقد ذكر هذه القاعدة الجليلة الإمام أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.» (التحذير من البدع (ص: 27-28))
5- وابن عثيمين، فقال: «الصحيح أن جميع ما ورد في فضل ليلة النصف من شعبان ضعيف لا تقوم به حجة، ومنها أشياء موضوعة، ولم يعرف عن الصحابة أنهم كانوا يعظمونها، ولا أنهم كانوا يخصونها بعمل، ولا يخصون يوم النصف بصيام، وأكثر من كانوا يعظمونها أهل الشام -التابعون، ليس الصحابة-، والتابعون في الحجاز أنكروا عليهم أيضا، قالوا: لا يمكن أن نعظم شيئا بدون دليل صحيح.
فالصواب: أن ليلة النصف من شعبان كغيرها من الليالي، لا تخص بقيام، ولا يوم النصف بصيام، لكن من كان يقوم كل ليلة، فلا نقول: لا تقم ليلة النصف، ومن كان يصوم أيام البيض لا نقول: لا تصم أيام النصف، إنما نقول: لا تخص ليلها بقيام، ولا نهارها بصيام.» (لقاء الباب المفتوح (115))
6- وعبد الله بن عبد الرحمن السعد، فقال: «قد تبين من سبر طرقها أنه لا يصح منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تتقوى طرق أسانيدها إذا اجتمعت؛ لشدة ضعفها، وعلة رواتها، ونكارة بعض متونها، وانفراد نقالها. وأما الموقوف والمرسل منها، فلا تقوم به حجة، ولا تعارض بمثله الأصول الصحيحة التي أفادت عدم ثبوت فضلها. وأما الوارد عن أهل الكتاب قبلنا، فلا يجوز العمل به حتى تأتي مشروعيته في كتاب الله، أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وعليه، فإن ليلة النصف من شعبان ليلة كسائر الليالي، ليس لها ميزة ولا فضيلة في شرعنا، فلا تخص بقيام ليل، ولا صيام نهار، ولا أداء عمرة، ولا بدعاء أو ذكر أو تلاوة، ولا تخص بإخراج الصدقات، ولا يشعل لها السروج والأنوار، ولا تخص بتوزيع الحلوى، وكل ذلك من البدع المحدثة، والمنكرات المنتشرة.» (جزء في أحاديث ليلة النصف من شعبان (ص: 179))
وهذا هو الحق عندي أن الأحاديث الواردة في ذلك لا تصل إلى مرتبة الحسن، بله الصحيح، وإليك خلاصة الأحاديث التي تم دراستها مفصلة في كتابي «جامع البيان في تخريج الأحاديث والآثار الواردة في شهر شعبان»:
أما حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فإسناده ضعيف جدا.
وأما حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، فإنه منكر، قاله أبو حاتم، وفيه مكحول، وقد اختلف عليه في هذا الحديث اختلافا كبيرا، يوحي إلى أن الحديث بإسناده غير محفوظ.
وأما حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، فإسناده موضوع.
وأما حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، فروي من طريقين، كلاهما موضوع.
وأما حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فروي من طرق ثلاثة، كلها موضوعة.
وأما حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فإسناده ضعيف، وفيه عبد الله بن لهيعة، وقد اضطرب في هذا الحديث.
وأما حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه، فإسناده ضعيف، والصحيح أن ذكر ليلة النصف من شعبان في حديثه غير محفوظ، أخطأ في ذكرها بعض الرواة.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها، فقد روي من ثمانية طرق:
فالطريق الأول الذي يرويه أنس بن مالك عنها إسناده ضعيف جدا.
والطريق الثاني الذي يرويه أبو سعيد الخدري عنها إسناده ضعيف جدا كذلك.
والطريق الثالث الذي يرويه عروة عنها إسناده ضعيف جدا كذلك، وشواهده كلها ضعيفة الإسناد، والصحيح أن ذكر ليلة النصف من شعبان في حديثه عن عائشة غير محفوظ، أخطأ في ذكرها بعض الرواة.
والطريق الرابع الذي يرويه العلاء بن الحارث عنها إسناده ضعيف.
والطريق الخامس الذي يرويه يزيد بن عثمان عنها إسناده ضعيف كذلك.
والطريق السادس الذي يرويه عبد الله بن أبي مليكة عنها، وكذلك الطريق السابع الذي يرويه مسروق عنها إسنادهما ضعيف جدا.
والطريق الثامن الذي يرويه مكحول عنها إسناده ليس به بأس، لكن فيه مكحول، وقد تقدم أنه اختلف عليه في هذا الحديث اختلافا كبيرا، يوحي إلى أن الحديث بإسناده غير محفوظ.
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فإسناده ضعيف، وهو منكر.
وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فإسناده ضعيف، وفيه عبد الله بن لهيعة، وقد اضطرب في هذا الحديث.
وأما حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فإسناده ضعيف جدا.
وأما حديث عوف بن مالك رضي الله عنه، فإسناده ضعيف، وفيه عبد الله بن لهيعة، وقد اضطرب في هذا الحديث. وفيه كثير بن مرة أيضا، وقد اختلف عليه في هذا الحديث اختلافا كبيرا.
وأما حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، فإسناده ضعيف.
وأما حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، فروي من طريقين، كلاهما موضوع.
وأما الآثار الواردة في فضل هذه الليلة فأسانيدها ضعاف كذلك.
فقد تبين لك أن الأحاديث الواردة في ذلك لا تخلو من الأحكام التالية: إما أن تكون موضوعة، أو ضعيفة جدا، وما فيه ضعف يسير ففيه اضطراب، أو منكر خولف فيه راويه في ذكر ليلة النصف من شعبان، فمثل هذه الأحاديث لا يصلح أن تتقوى بمجموع الطرق، ولا يمكن أن تصل إلى مرتبة الحسن والقبول، والله أعلم.
وقد رد محيي الدين الإسنوي (في مقدمته على كتاب "ليلة النصف من شعبان” لمحمد زكي إبراهيم (ص: 19)) على الذين أنكروا فضل ليلة النصف من شعبان بما أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة” (السنة (1/273، رقم: 508))، والآجري في "الشريعة” (الشريعة (رقم: 695)): كلاهما من طريق: أبي معمر، نا عباد بن العوام، قال: قدم علينا شريك، فسألناه عن الحديث: «إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان»؟ قلنا: إن قوما ينكرون هذه الأحاديث. قال: فما يقولون؟ قلنا: يطعنون فيها. فقال: «إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن، وبأن الصلوات خمس، وبحج البيت، وبصوم رمضان، فما نعرف الله إلا بهذه الأحاديث.» وإسناده صحيح.
قلت: وهو تشبع منه بما لم يعط، أو تدليس قبيح منه؛ لأن الذين رد عليهم شريك، رد عليهم لكونهم أنكروا نزول الباري سبحانه وتعالى، لا لأنهم أنكروا فضل هذه الليلة. ويوضحه ما أخرجه الدارقطني في "الصفات” (الصفات (ص: 43، رقم: 65)، وذكره الذهبي في "العلو للعلي الغفار” (ص: 144، رقم: 393)) بإسناد صحيح، قال: حدثنا محمد بن مخلد، قال: محمد بن إسحاق الصاغاني، حدثنا مسلم بن قادم، حدثنا موسى بن داود، حدثنا عباد بن العوام قال: قدم علينا شريك بن عبد الله مذ نحو من خمسين سنة، فقلنا له: يا أبا عبد الله، إن عندنا قوم من المعتزلة ينكرون هذه الأحاديث: «أن الله ينزل إلى السماء الدنيا»، «وأن أهل الجنة يرون ربهم»؟ فحدثني شريك بنحو من عشرة أحاديث في هذا، وقال: «أما نحن، فأخذنا ديننا عن أبناء التابعين عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم عمن أخذوا؟»
فليس فيه ذكر ليلة النصف من شعبان، فانهدر المبنى الذي بناه بتدليسه، أعاذنا الله منه.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of