الرد على الأفكار والتصورات لا على الرجال والأشخاص

محمد عمر صلاح الدين الدعوة الإسلامية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد!
فهذا المقال الذي بين أيديكم، مترجم ومنقول من الأردية إلى العربية مع زيادات هامة، قد كتبه الشيخ فاروق عبد الله النراينفوري حفظه الله على حسابه في الفيسبوك.
أيها القراء الأكارم!
لعلكم قد قرأتم وسمعتم هذه الجملة المتصفة بروعة الظاهر، الذائعة غاية الشهرة فلا يبعد أنها قد أعجبتكم أيما إعجاب. فهذا المبدأ الرائع والقاعدة الذهبية التي يراد بها أن الأذهان السليمة والقلوب المخلصة تستحسن الاعتراضات الفكرية دون الأشخاص والرجال بينما يتناول أصحاب الأفكار المختلة المستضعفة فيضعون الشخصيات موضع البحث والنقد والجدل والنقاش. فليكن واضحا في الذهن أن هذا الضابط ليس منطلقا دينيا مهما يكن خلابا جذابا، حلو المنظر والسماع ومهما يستجمله الذهن والدماغ، بل تجد أن هذه القاعدة مخالفة للإسلام ومعارضة لمنهج السلف الصالح عندما تنظر إليها نظرة دقة وإمعان.
فلا شك أن الإسلام يرى الشخصيات أوَّلًا عند النقد والتحليل، فإن كانت الفكرة الخاطئة اللائقة بالنقد، ناتجة عن المرء المسلم ذي الفكر السليم، يتناول أسلوب الانتقاد الفكري والنظري دون منهج الاعتزاز الشخصي الذاتي فيشمل ذلك ماانتهجه النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: "مابال أقوام يفعلون كذا”. كما أن الإسلام يتبنى طراز النقد الذاتي الشخصي وطريقة الانتقاد الفكري النظري مَعًا، بأنْ يـنـبِّـه الناس على رجال السوء وذوي التصورات الفاسدة الزائغة بذكر أسمائهم، تحذيرًا من الوقوع فيما عندهم من الضلالات والمتاهات والغوايات، وعندئذ يستخدم الأسلوب الشرعي المتمثل في «تبت يدا أبي لهب وتب» و«بئس أخو العشيرة»، إن كانت النظرية المنحرفة الضالة، صادرة عن رجال العناصر المعادية للإسلام أو حاملي الفكر المعوج أو المبتدعين.
فلايعزبن عن بالكم أن حياة السلف الصالح عبارة عن هذا الأصل القويم حيث أنهم تصدوا للرد على الشخصيات ردًّا جميلًا، إضافة إلى نقض ما كانوا يحملون من النظريات الباطلة حتى كفى بملء مكتبة أن تستوعب تلك الردود التي هي كانت كتبت بعنوان "الرد على فلان”، فهذه هي كتابات العلامة ابن تيمية (المتوفى سنة ٧٢٧ھ) رحمه الله، أوضح برهان وأدل دليل على ذلك، وما ألفه من الكتب كالرد على الأخنائي والرد على البكري والرد على الشاذلي وغيرها من الرسائل العديدة، فلا شك أنها بمثابة النموذج الأنيق والممثل الحي للمفاهيم السلفية. وكذلك الحافظ شمس الدين الذهبي (المتوفى سنة ٧٤٨ھ) رحمه الله، قد تناول بالرد على الرجال الذين لايمت لهم بصلة رواية الحديث ونقله وإنما سرد أحوالهم الفكرية والعقدية إنذارًا وتحذيرًا مما هم عليه كمحي الدين ابن عربي المتصوف (المتوفى سنة ٦٣٨ھ) صاحب الفصوص والفتوحات.
ومما يجدر بالذكر هنا أن هذه القاعدة التي نحن بصدد البحث عن مدى صحتها وسقمها في ضوء الكتاب والسنة وما سار عليه سلفنا الصالح، قد طارت واعتنق بها الإخوان المسلمون تنويهًا بشأنها، حتى أصبحت خطًّا مميزا بينهم وبين السلفيين العاملين بالكتاب والسنة النبوية. وأضف إلى ذلك، أنه لما كان إمام الحرم المكي الشيخ أحمد زيني دحلان (المتوفى سنة ١٣٣٠٦ھ) دافع عن عباد القبور وبدأ بنشر الشركيات والبدعات وما إلى ذلك، ناقشه في عُـقْـرِ داره، علم من أعلام الهند البارزين، البطل الغيور على دينه، الشيخ العلامة محمد بشير السهسواني (المتوفى سنة ١٢٢٦ھ) فرد عليه فيما بعد ردًّا قاطعًا بتأليف كتاب "صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان”.
وأروع مثال في هذا الباب كتاب "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل” الذي ألفه العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (المتوفى سنة ١٣٨٦ھ) رحمه الله في أسلوب علمي رصين وطراز منهجي سديد، وضَـيـَّـق بتصنيفه الخناقَ على المِطْعَان في الأئمة النبلاء والمحدثين البرعاء،المتحاملِ على الرواة الثقات الجبال في الحفظ والإتقان والعلم والفضل، تقوية للنظرية الخاصة به، ألا وهو المؤنب للخطيب البغدادي، المعروف بـ”محمد زاهد الكوثري الحنفي التركي الجركسي” (المتوفى سنة ١٣٧١ھ) الذي لم يكن يسلم من قلمه الجريئ الحر، الفقهاء الكبار حتى الصحابة رضي الله عنهم أيضاً.
وفي زمننا هذا، تصدى للرد على رجال الأفكار المتجددة السقيمة فكشف عن وجوههم حسبما وصفتهم كتبهم بكل ما يقتضيه الإنصاف والحياد، حامل لواء السلفية في شبه القارة الهندية، حضرة العلام الحافظ صلاح الدين يوسف الذي انتقل إلى رحمة الله قبل أيام، أغدق الله عليه شآبيب رضوانه وضمخ ترابه بطيوب الجنة. فقام الحافظ رحمه الله بالرد على الشيخ أبي الأعلى المودودي والشيخ أمين أحسن الإصلاحي وتلميذه الرشيد جاويد أحمد الغامدي والأستاذ حميد الدين الفراهي في كتبه الأردية "الخلافة والملك في ميزان الشرع والتاريخ” و”الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في ضوء نظرياته الحديثية والتفسيرية” و”الفتنة الغامدية؛ دراسة تحليلية” و”الفكر الفراهي وما له من الانعكاسات المضلة” على الترتيب كذلك.

3
Leave a Reply

avatar
3000
3 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
3 Comment authors
عليIRSHAD AHMADعبدالقادر Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
عبدالقادر
Guest
عبدالقادر
ماشاء الله بارك الله فيك اخي الكريم .آمين يارب العالمين أحسنت.!
IRSHAD AHMAD
Guest
IRSHAD AHMAD
ما شاء اللہ
بارک اللہ فیکم یا أخی الکریم جزاک اللہ خیرا
علي
Guest
علي
السّلام عليكم. ليتك تنشر تلك الكتب اللّتي ذكرتها في مقالتك.”الخلافة والملك في ميزان الشرع والتاريخ” و”الشيخ أمين أحسن الإصلاحي في ضوء نظرياته الحديثية والتفسيرية” و”الفتنة الغامدية؛ دراسة تحليلية” و”الفكر الفراهي وما له من الانعكاسات المضلة”