الحياء حلية المؤمن

مسعود عبدالغفار أسلوب حياة

حامدا لله ومصليا على النبي صلى الله عليه وسلم. قال جل ثناؤه في محكم تنزيله:
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها (البقرة: ٢٦)
أيها القارئ الكريم، كرم الله عز وجل الإنسان وجعله أشرف وأفضل من جميع مخلوقاته، ومن الأوصاف الفطرية الحياء، لأن الإنسان يبتعد بسبب الحياء عن الأعمال القبيحة والأوصاف المكروهة.
لقد وضح الإسلام أهمية الحياء وضرورته، لأنه يجنب الإنسان عن المعاصي ويرغبه في الأمور الخيرية. فتتصف الملائكة بصفة الحياء، وكذالك جميع الأنبياء كانوا متصفين بصفة الحياء. وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أشد حياء، كما في الحديث الصحيح: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها” (البخاري).
فالحياء شعبة من الإيمان، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير” (متفق عليه)، وفي حديث آخر قال: "الحياء خير كله” (مسلم)، يعني يوجد في الإنسان خير بمقدار ما فيه من الحياء. و قال أيضاً: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار” (الترمذي)، وقال في حديث آخر: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان” (مسلم).
فالمؤمن يدخل الجنة بسبب حيائه، والحياء يسلب إذا لم يبق في الإنسان شيئ من الإيمان، كما قال ابن حبان رحمه الله: "الحياء من الإيمان، والمؤمن في الجنة، وما نزع الحياء من أحد إلا بنزع إيمانه”.
وقال ابن القيم عن الحياء: "هو أصْل كُلِّ خَير، وذَهابه ذَهَاب الْخَير أجْمَعه، إذًا هو خير، ولا يأتي إلا بخير، بل وزيادة على هذا، فهو يقود صاحِبَه إلى الجنة. والحياء مِن صفات الله عزَّ وجلَّ، يقول نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الله حيي كريم، يستحي من عبده، إذا رفع يديه إليه أنْ يردهما صفرًا” (رواه أبو داود).
وقال رحمه الله: "ومَن وَافَق الله في صِفَة مِن صِفاته، قَادته تلك الصِّفَة إليه بِزِمَامه، وأدْخَلَته على رَبِّه، وأدْنته مِنه، وقَرَّبَته مِن رَحمته، وصَيَّرَته مَحْبَوبًا له؛ فإنَّه سُبحانه رَحيم يُحِبُّ الرُّحَماء، كَريم يُحِبُّ الكُرَماء، عَليم يُحِبُّ العُلماء، قويٌّ يُحِبُّ المؤمن القوي، وهو أحب إليه مِن المؤمن الضعيف، حتى يُحِبَّ أهل الحياء، جَميل يُحِبُّ أهل الْجَمَال، وِتْر يُحِبُّ أهل الوِتْر”. ومَن فقد الحياء، فهو ميت في الدنيا، وشقي في الآخرة؛ وقال أيضاً: "فَمَن لا حَيَاء فِيه مَيِّت في الدُّنيا، شَقِيٌّ في الآخِرة”.
ويقول محمد بن خلف التيمي رحمه الله، قال أحد من بني خزاعة هذه الأبيات التالية:
إذا لم تخش عاقبة الليالي
ولم تستح فاصنع ما شئت
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
وقال الشاعر الآخر:
ورب قبيحة ما حال بيني
وبين ركوبها إلا الحياء
فكان هو الدواء لهاولكن
إذا ذهب الحياء فلا دواء
أيها القارئ الكريم، ينبت الحسن والجمال في الإنسان في أقواله وأفعاله بسبب الحياء، فالإنسان الغيور يكون جاذبا في نظر المخلوق ويحصل له القبول عند الله، يدل عليه القرآن الكريم في قصة شعيب عليه السلام إذا جاءت ابنته عليه السلام إلى موسى عليه السلام تدعوه وقالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فجاءته متثقفة في مشيتها وهي سترت وجهها من ثوبها ومن يدها وكانت معتدلة في المشية فأحب الله عز وجل هذا الحياء وذكره في القرآن الكريم حيث قال: "فجاءته إحداهما تمشي على استحياء”. (القصص: ٢٥)
هذه لمحة تدبر أن الله عز وجل إذا أحب سلوك الإنسان الغيور حبا شديدا، فكم مقبولا ومحبوبا عمله عند الله؟ ومن يحرم الحياء فلا يتوقع منه الخير كما في الحديث: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت”. (رواه البخاري).
الحياء له قسمان:
القسم الأول: حياء العبد من الله جل ثناؤه على إرادته الأمور المتشددة.
القسم الثاني: حياءه من وقوع الناس في أقوالهم المكروهة وأفعالهم الشنيعة.
فلا بد من الابتعاد عن نواهي الله تعالى. والحياء أفضل من وقوع الناس في أقوالهم المكروهة وأعمالهم الشنيعة، لأن الحياء نور يجبر الإنسان على الإستقامة في خلوته وجلوته ويصوره أن الله تعالى أمامنا، وفي الحديث (إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا) فحياء الله جل جلاله مختلف عن حياء العبد، فيعجز العقل عن بيان كيفيته ولا يستطيع أن يدركه، لأن في حياء الله عز وجل سخاوة وإحسانا وجودا وجلالا وعظمة.
والحياء حلية جبلية وفطرية للنساء ، فكانت السيّدة عائشة رضي الله عنها ذات حياءٍ شديد، حتى في بيتها، فقد جاء في نصّ الحديث الشريف أنّ عائشة أم المؤمنين قالت: "كنتُ أدخلُ بيتيَ الَّذي فيهِ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وإنِّي واضعٌ ثوبي وأقولُ: إنَّما هو زَوجي وأبي، فلمَّا دُفنَ عمرُ رضيَ اللَّهُ عنْهُ معَهم فواللَّهِ ما دخلتُهُ إلَّا وأنا مشدودةٌ عليَّ ثيابي حياءً من عُمرَ” (رواه أحمد).
وقال ابن القيم رحمه الله: وعلى حسب حياة القلب يكون فيه قوَّة خُلُق الحَيَاء، وقلَّة الحَيَاء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أحيا كان الحَيَاء أتم. (مدارج السالكين)
وقد ورد أن صحابية أصابها نوبة من الصرع فصبرت عليها، ولكن لم تصبر على كشف الستار عن الحياء فبشرت بالجنة.
قال محمد بن عبد الله في بعض أبياته:
إذا قل ماء الوجه قل حياءه
فلا خير في وجه إذا قل ماءه
حياءك فاحفظه عليك فإنما
يدل على الكريم حياءه
فإذا كان الإنسان ذا حياء فيلبس
لباس التقوي ومن لم يكن ذا
حياء فهو يتعرى مع لباسه

أيها القاري الكريم، إذا كان الإنسان لم يكن فيه وفاء لم يكن فيه حياء ومن لم يكن فيه محبة وصداقة لم يكن فيه وفاء ومن لم يكن فيه حياء فيصنع ما يشاء ويقول ما في فمه. لأن الفحشاء إذا وجد في شيئ فهو يعيبه، وبمقابل هذا إذا يوجد الحياء في شيئ فيحسنه.
من فوائد الحياء:
١ – أن الحياء من خصال الإيمان.
٢- يهجر الإنسان المعصية خجلا من الله سبحانه وتعالى.
٣ – يُبعد الحياء عن فضائح الدنيا والآخرة.
٤ – الحياء أصل شعب الإيمان.
من الوسائل المعينة على اكتساب الحياء:
الحياء موجود في فطرة الإنسان، وعلينا أن نجعله رفيقا لنا في كل أقوالنا وأفعالنا، وهناك بعض الوسائل التي تنمى هذه الصفة وتقويها في نفوسنا، ومن هذه الوسائل:
١ – اتباع أوامر الله سبحانه والخوف منه ومراقبته في كل حين، واستشعار معيته.
٢ – اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والإقتداء به في حياته القولية والفعلية.
٣ – غض البصر عما حرم الله سبحانه وتعالى وعدم تتبع عورات الآخرين.
٤- الصبر على المعصية يعين على ملازمة الحياء.
من موانع اكتساب الحياء:
١- الغناء
روى البيهقي وابن أبي الدُّنْيا عن أبي عثمان اللَّيثيِّ قال: قال يزيد بن الوليد النَّاقص يا بني أميَّة إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحَيَاء، ويزيد في الشَّهوة، ويهدم المروءة. (روح المعانى للألوسى)
٢- ارتكاب المعاصي
بيَّن ابن القيِّم أنَّ الذُّنوب والمعاصي تُذْهِب الحَيَاء فقال: ومِن عقوباتها ذهاب الحَيَاء الذي هو مادَّة الحياة للقلب، وهو أصل كلِّ خير وذهاب كلِّ خير بأجمعه، وفي الصَّحيح عنه أنَّه قال: "الحَيَاء خير كلُّه”. (الداء والدواء)
مظاهر قلة الحياء:
١ – المجاهرة بالذُّنوب والمعاصي وعدم الخوف مِن الله.
٢ – لبس النِّساء الكاسيات العاريات الملابس التي تصف الأجسام، أوالضَّيِّقة أوالمفتوحة مِن الأعلى والأسفل .
٣ – حديث المرأة مع الرَّجل الأجنبي عند خروجها واختلاطها به.
قصارى القول أن الحياء شعبة من الإيمان، ومنبع الأخلاق العالية، ومنشأ الأعمال الصالحة، ويجنب الإنسان عن الأمور السيئة، والحياء مانع عن سلب حقوق المستحقين. وهذا هو المطلوب منا في شريعتنا المطهرة، فعلينا أن نلتزم به في حياتنا لكي نفوز في الدنيا والآخرة.
وأسأل الله الكريم أن يوفقنا جميعا للحياء والحِشْمة ويجنبنا عما يضاده، آمين.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of