إذا فاتك الحیاء فاصنع ما شئت

تسليم الدين حفاظ الدين العالي أسلوب حياة

إن الإسلام دین أخلاقي یدعو الإنسان إلی التحلي بحِلَی الخصال الحمیدۃ، ویحثه علی التخلق بالأخلاق الفاضلة، ویحضه علی الاتصاف بالصفات المحمودۃ. وإن الحیاء من أھم عناصر الأخلاق، بل ھو من أعلی خصال الإیمان، وقد قُرِنَ الحیاء بالإیمان ونيط به، وھما متلازمان ومجموعان في رباط واحد، فإذا رفع أحدھما رفع الآخر،وإذا وُجِد وُجِد، وإذا ضاع الحياء فلا يُنتفع بالإيمان،وإذا ضاع الإيمان فلا حياء. كما قال النبي ﷺ مخبرا بتلازمھما: "إِنَّ الحَياءَ والإيمانَ قُرِنَا جَميعًا، فَإذَا رُفِعَ أَحَدُھُمَا رُفِعَ الآخَرُ "(صحیح الجامع : 1603-صححه الألباني )
والحکمة فی قرن الحیاء مع الإیمان أن کلاً منھما یدعو إلی الخیر ویقرب منه، ویردع عن الشر ویبعد عنه، ویکف المرء عن ارتکاب الفواحش والقبائح، ویمنعه من دناءۃ الأخلاق وخستھا، ویحضه علی التخلق بمکارم الأخلاق ومعالیھا. والحیاء لا یدخل فی شيء إلا یزیّنه ویجمّله ويُكمله، في حین أن الفحش لا یدخل فی شيء إلا یقبحه ویعیبه ويُنقصه، کما قال النبي صلى الله عليه وسلم : "مَا کانَ الفُحْشُ فِي شيءٍ إلّا شَانَهُ وَمَا کَانَ الحَیَاءُ فِي شَيْءٍ إلا زَانَهُ ” (صحیح الترمذي: 1974- صححه الألباني)
وإن الحياء يمنع صاحبه عن الفواحش، ويجعله يستتر بھا، إذا ھو سقط في شيئ من أوحالھا، ويكسوه الوقار فلا يفعل ما يخل بالمروءة والتوقير، ولا يؤذي من يستحق الإكرام. ويجعله يھجر المعصية خجلا من الله عز وجل، ويحثه على الإقبال على الطاعة بوازع الحب لله عز وجل.
وقد قل الحیاء فی ھذا الزمن وغاب عن المجتمعات البشریة کغیاب القرن من رأس الحمار، فظھرت مظاھرہ السلبیة المخجلة الموبقة، من تدمر السلوك والأخلاق، وشیوع الفواحش والمنکرات، وذیوع الرذائل والسیئات التی تجلب الآفات والبلیات، وتفسد الناس والمجتمعات. ألا تری أن حیاء النساء قد قل فیخرجن من بیوتھن کاسیات عاریات سافرات متعطرات، ویصرن ملعونات، ويتعرضن للتحرش الجنسي باقتراف ھذہ السیئات والمحظورات. ألا تری أن الرجال قد قل حیاؤھم فیصافحون النساء الأجنبیات استحیاءًا منھن إذا مددن أیدیھن إلیھم، ولا یستحیون من اللّه. ألا ترى أن كثيرا من الذين عدموا الحياء يتلفظون بالألفاظ البذيئة، ويتفوهون بالكلمات الشنيعة، ويأتون بالتصرفات المشينة، التي تجرح مشاعر الآخرين، ويقومون بالرذائل والقبائح على مرأى ومسمع من الناس، التي يستهجنها أصحاب العقول السليمة، ويستشعرون الخجل منها بمجرد السماع عنها، والتي ربما تجعل الكلاب والخنازير تخجل لشدة قبحھا ورذالتھا. ألا تری أن المرء یعصی أمر ربه، ويجاھر بالذنوب والمعاصي، ویتبع خطوات الشیطان، معلقاً علی عنقه بطاقة الإسلام المزیفة، ینتسب إلی الإسلام اسمیاً ویفعل کل ما یخالفه، فلا یصلي، ولایزکي، ولایحج، ولایصوم. یرتکب الفواحش والقبائح، یقترف الذنوب والرذائل، یبغض العلماء والشرفاء والصالحین ویبتعد عنھم، ویحب الجھلاء والخلعاء والطالحین ویقترب منھم. وما إلى ذلك من الأمراض الخلقية الفتاكة العويصة التي تسبب تدمير المجتمعات البشرية، وتأديتها إلى أقصى درجات الحضيض.
وعندما تمعن النظر – أيها القارئ الكريم – في أسباب هذه الأمراض الأخلاقية والإيمانية وعللها، وتتأمل فيها بروية وتفكير، تجد أنها كلها تعود إلی قلة الحیاء، وعدم الخجل من اللّه عز وجل، إذ الحیاء ما فات أحداً إلا ھان علیه فعل کل قبیح، و ما خلع أحد حلة الحیاء إلا سھل علیه اقتراف کل رذیل، وقد صدق الصادق الأمین صلى الله عليه وسلم، حیث قال : "إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ” (البخاری:3483)
اللهم زيننا بزينة الحياء، ووفقنا لكل ما يجلبه، وباعد بيننا وبين كل ما يخالفه كما باعدت بين المشرق والمغرب. آمين.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of