عيد الحب

عبد الأحد أحسن جميل أسلوب حياة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
موضوع بحثنا في هذا المقال عيد الحب:
قبل أن أبين حكم الاحتفال بهذا العيد، أريد أن أبين معنى العيد والحب في اللغة والشرع:
تعريف العيد:
العيد لغة: العيد كل يوم مجمع، وسمي عيدا لأنهم قد اعتادوه. قال: واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه.
فجعل العيد من عاد يعود. قال: وتحولت الواو في العيد ياء لكسرة العين. وتصغير عيد عييد، تركوه على التغيير؛ كما أنهم جمعوه أعيادا ولم يقولوا: أعوادا.
والعيد عند العرب: الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن، وكان في الأصل العود فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها صارت ياء(1).
قيل: إنما سُمِّي يوم العِيدِ لهذا المعنى لتكرّره وعَوده لأوقاته من السنة.
وقيل: إنما سُمِّي عِيدًا لأنه يومٌ يعود فيه الفَرحُ إلى المسلمين. قال الخطابي رحمه الله: كلاهما قريب (2).
العيد في الاصطلاح: ومعناه الاصطلاحي أو الشرعي لا يخرج عن معناه اللغوي.
فالعيد يجمع أمورا: منها: يوم عائد: كيوم الفطر، ويوم الجمعة، ومنها: اجتماع فيه، ومنها: أعمال تتبع في ذلك من العبادات، والعادات، وقد يختص العيد بمكان بعينه، وقد يكون مطلقا، وكل هذه الأمور قد تسمى عيدا (3).
تعريف الحب:
الحب لغة: الحاء والباء أصول ثلاثة، أحدها اللزوم والثبات…، وأما اللزوم فالحب والمحبة، اشتقاقه من أحبه إذا لزمه. والمحب: البعير الذي يحسر فيلزم مكانه(4). والحب اسم من المحبة (5).
الحب: نقيض البغض، قال وتقول: أحببت الشيء فأنا محب وهو محب. أبو عبيد عن أبي زيد: أحبه الله فهو محبوب (6).
الحب في الاصطلاح: المعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي.
تعريف عيد الحب:
ممكن أن نقول عيد الحب هو: اليوم الذي يتبادل فيه الناس الحب المزعوم.
حقيقة هذا العيد:
فإذا عرفنا معنى العيد والحب ومعنى عيد الحب، يحسن بنا أن نبين أصل هذا العيد المزعوم ليقف عليه كل رشيد بصير فيتبين له حكم الشرع فيه دون شك أو مداراة. فنقول:
يرجع أصل هذا العيد إلى الرومان القدماء، فقد كانوا يحتفلون بعيد يسمى (لوبركيليا) في يوم 15 فبراير كل عام يقدمون فيه القرابين لإلههم المزعوم (لركس) ليحمي مواشيهم ونحوها من الذئاب، كي لا تعدو عليها فتفترسها.
وكان هذا العيد يوافق عطلة الربيع بحسابهم المعمول به آنذاك، وقد تغير هذا العيد ليوافق يوم 14 فبراير، وكان ذلك في القرن الثالث الميلادي، وفي تلك الفترة كان حكم الإمبراطورية الرومانية لكلايديس الثاني الذي قام بتحريم الزواج على جنوده، بحجة أن الزواج يربطهم بعائلاتهم فيشغلهم ذلك عن خوض الحروب وعن مهامهم القتالية.
فقام فالنتاين بالتصدي لهذا الأمر، وكان يقوم بإبرام عقود الزواج سراً، ولكن افتضح أمره وقبض عليه، وحكم عليه بالإعدام وفي سجنه وقع في حب ابنة السجان، وقد نفذ فيه حكم الإعدام في 14 فبراير عام 270 ميلادي، ومن هذا اليوم أطلق عليه لقب قديس وكان قسيساً قبل ذلك، لأنهم يزعمون أنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين. ويقوم الشبان والشابات في هذا اليوم بتبادل الورود، ورسائل الحب، وبطاقات المعايدة، وغير ذلك مما يعد مظهراً من مظاهر الاحتفال بهذا اليوم. بل إن الغربيين من الأمريكيين والأوربيين يجعلون من هذا العيد مناسبة نادرة لممارسة الجنس على أوسع نطاق، وتتهيأ المدارس الثانوية والجامعات لهذا اليوم بتأمين الأكياس الواقية، التي تستعمل عادة للوقاية من العدوى بين الجنسين عند ممارسة الجنس، وتجعل هذه الأكياس في دورات المياه وغيرها. فهو مناسبة جنسية مقدسة عند أهل الكفر. فكيف سمح المسلمون لأنفسهم أن يتسرب إلى عوائدهم أو أن يلقى رواجا بينهم عيد هو من أقذر أعياد النصارى؟
حكم الاحتفال بهذا العيد:
فإذا تبين لنا حقيقة هذا العيد، اتضح لنا حكم هذا العيد وهو حرمة الاحتفال بهذا العيد الفاسد.
أصل الحرمة:
أصل حرمته من الكتاب والسنة والإجماع والعقل:
أما الكتاب: فقول الله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(7).
وجه الدلالة: بين سبحانه وتعالى عدم الموالاة مع الكفار والمشركين ولو كان أقرب قريب، والاحتفال بهذا العيد عين الموالاة فممنوع بنص القرآن.
وأما السنة: فعن أنس رضي الله عنه، قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: "ما هذان اليومان؟ ” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر” (8).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين للصحابة أن الله قد أعطاهم يومين خيرًا من هذين اليومين، فحدد النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس للمسلمين إلا هذان اليومان. إذاً لا يجوز الاحتفال ولا تخصيص يوم للعيد سوى هذين اليومين.
وأما الإجماع: فقد أجمع العلماء على حرمة الاحتفال بهذا اليوم لما فيه مخالفة للقرآن والسنة.
وأما العقل: فكلنا نعرف أن الأعياد شعار لأي دين. فإذا اتضح أن هذا اليوم شعارٌ للنصارى -والإسلام أعطانا يومين خيرًا منه- فكيف يصلح بنا أن نحتفل به؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "استنبط منه (9) كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم”، وبالغ في ذلك الإمام النسفي رحمه الله فقال: "من أهدى فيه بيضة إلى مشرك تعظيما لليوم فقد كفر بالله تعالى”(10).
قال ابن تيمية رحمه الله: إن الأعياد من جملة الشرع والمنهاج والمناسك التي قال الله تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} (11)، كالقبلة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم العيد وبين مشاركتهم سائر المنهاج. فإن الموافقة في العيد موافقة في الكفر لأن الأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع. ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر، وأظهر شعائره ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة بشروطه(12).
سبب حرمته:
بناء على ما سبق ثبت أن عيد الحب وغيره من الأعياد للكفار ممنوعة ومحرمة لثلاث علل:
1- مضاهاة الشريعة والابتداع فيه مع أن الله تعالى قال: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وقال صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد (13).
2- التشبه بالكفار كما قال صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم (14).
3- أنه ذريعة إلى الكفر، فالإسلام يسد جميع ذرائع الكفر. ولذلك نهى عمر بن الخطاب عن الصلاة تحت شجرة بيعة الرضوان، ثم قطعها سداً للذرائع؛ حتى لا يعود الناس إلى أعمال الجاهلية (15).
فهذه العلل التي تمنعنا من أي نوع من مشاركة الكفار في أعيادهم، ولو كان لمجاملة، أو لملاطفة، حتى لو كان لمتعلقات دنيوية، فيجب فيها المخالفة وإن لم يقصد بها المشابهة، (وما بني على باطل فهو باطل).
فهنا ينشأ سؤال؛ لماذا يحتفل أحدنا بهذا العيد الفاسد المسمى بعيد الحب؟ وتعليمات الإسلام كلها مبنية على الحب الحقيقي والألفة الصحيحة التي بها تكمل حياتنا، يبين ابن القيم رحمه الله هذا الحب الحقيقي فيقول: ” فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات، وعليها فطرت المخلوقات، ولها تحركت الأفلاك الدائرات، وبها وصلت الحركات إلى غاياتها، واتصلت بداياتها بنهاياتها، وبها ظفرت النفوس بمطالبها، وحصلت على نيل مآربها، وتخلصت من معاطبها، واتخذت إلى ربها سبيلاً، وكان لها دون غيره مأمولاً وسؤلا، وبها نالت الحياةَ الطيبة وذاقت طعم الإيمان لما رضيت بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً”(16).
تبين لنا من النصوص السابقة أن مقصد الشرع أن يحيد بالمسلم عن أن يكون تابعا إلى أن يكون قائدا متقدما صاحب هوية. وكذلك تبين لنا أن من مقاصد الشريعة سد ذريعة الكفر والشرك أو التأثر بها أو الركون لأهلها أو التنازل لهم عن بعض العقائد والقيم لإرضائهم ونيل ثنائهم وكسب عطائهم وهذه الأمور كلها نجدها في مشاركتهم بأعيادهم ومناسباتهم القائمة على العقيدة والشريعة التي تخصهم فــ "ما يفضي إلى محرم فهو محرم، فالعمل المباح إذا تضمن فسادا حرم”. كما قرر علماء الأصول، ولذا حذر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من ذلك، وأن عمر رضي الله عنه كان قد شرط – واتفق الصحابة على ذلك – على أهل الذمة بعدم إظهار أعيادهم في دار الإسلام، وقال: "إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين في يوم عيدهم في كنائسهم”(17). وعنه قال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم” (18). وعن عبدالله بن عمر ومثله عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: "من بنى ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك يحشر معهم يوم القيامة.” (19) هذه هي العقيدة التي رباهم عليها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلموها لمن بعدهم ولذا كان للإسلام عزته لما كان للمؤمن هويته.
ومن القواعد التي يقوم عليها بيان هذه الأحكام ما أصله العلماء وبينوه "أن مضاهاة المشروع من التشريع، والتشريع لله وحده” وهذه الأعياد فيها مضاهاة للشرع لتعلقها بعقائد الكفار كعيد الكريسمس وعيد الفصح وعيد رأس السنة الميلادية وعيد الحب فكلها أعياد مرتبطة عقائدية عندهم على عقيدة أن الله (ثالث ثلاثة)، تعالى الله عن ذلك علوا عظيما. والأعجب أن الكنيسة تراجعت عن الاحتفال بعيد الحب عام 1969م وذلك لأن هذا العيد لا يليق بالدين والأخلاق ومع ذلك نجد أن كثيرا من المسلمين يحتفلون به ويعظمونه ويقدمون فيه الهدايا وتكثر الإباحية والانحلال وضياع الحياء والله المستعان.
وكذلك من القواعد المتعلقة في هذا الباب أن "ما لم يكن في عهد النبوة من متعلقات الدين، مع توفر الدواعي، وعدم المانع، فهو محظور”. وجل هذه الأعياد وغيرها كانت في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وزمن أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين ومع ذلك ما جاءنا أنهم عظموه واحتفلوا فيه، بل ولم يعطوه وزناً ولا قيمة، إذًا فهذا العيد وغيرها من أعياد المشركين من الأعياد المحظورة الممنوعة في شريعتنا الغراء.
مظاهر الاحتفال:
ومن مظاهر ذلك لبسُ الفساتين الحمراء، وانتشار الورود الحمراء، وتبادل التهاني والتحيات، والهدايا والبرقيات، وتذكر الزوجات والخليلات، بل عَدُّوا ذلك من علامات الإخلاص في الحب، وأن من لم يهنِّئ زوجته في ذلك اليوم، أو لم يهد لها هدية فليس بمخلص لها في حبها، فإلى الله المشتكى.
وختاما أسأل كل من يحتفل بهذا العيد ماذا تريد من عملك هذا؟ ترويج دينهم، أم تنقيص دينك، إدخال السرور في نفوسهم بسخط من الله لك، أم إظهار شعائرهم الدينية، أم تظهر ودك لهم مع غضبك لربك الودود، أم ماذا؟ كل هذا يخرجك من ملتك، وأي ملة يا غالي؟ ملة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم التي هي نجاحك وفلاحك، وسرورك الحقيقي، هل لا سألت المرأة في ديار الغرب عن حياتها التعيسة، وعيشها المرير، إهانةٌ وإذلالٌ، احتقارٌ واستغلالٌ، لا يرحمها الزوج ولا الصديق، ولا الأخ ولا الرفيق، ولا الابن ولا اللصيق، إذا لم تُطعم نفسها بنفسها لم تَطعم، وإذا لم تؤمِّن لنفسها أسباب العيش وجدت نفسها ملقاة تحت جسر أو على قارعة الطريق، حقوقٌ مهضومة، وقوانين جائرة مشؤومة؟!! فكيف يريد هؤلاء أن ينتجوا لنا حباً هم لم يجدوه بأنفسهم ؟!!
أما يكفيكم أيها المسلمون أن الله قال: {ورضيت لكم الإسلام دينا}(20)، أما يكفيكم أن الله قال: {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(21)، أما يكفيك أيها الأخ المبارك وأيتها الأخت المباركة أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر” (22). أما يكفيك أيها الغالي وأيتها الغالية أن الإسلام أكرمكم، وأن الإسلام جعلكم مباركين أين ما كنتم. فلماذا هذا الإعراض عن الإسلام وعن الشريعة، والإسلام قائم على الحب، الحب الشرعي الذي شعاره الأخلاق، وقيمته الشرع، وزينته الحياء، وشريكه من أطاع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا وإياكم لما فيه من الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين وأن يهدينا إلى صراط المستقيم صراط الله العزيز الحميد، وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
الهوامش
(1) تهذيب اللغة للأزهري (3/84)
(2) غريب الحديث للخطابي (1/96)
(3) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/241)
(4) معجم مقاييس اللغة لابن فارس (2/25)
(5) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (1/327)
(6) تهذيب اللغة للأزهري (4/8
(7) المجادلة: 22
(8) سنن أبي داود: 1134، مسند أحمد: (19/65)، حديث: 12006. والحديث صححه العلماء.
(9) أي الحديث المذكور
(10) فتح الباري شرح صحيح البخاري (2/442)
(11) الحج: 67
(12) اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/528)
(13) صحيح البخاري: (معلقا)، صحيح مسلم: 1718
(14) سنن أبي داود: 4031. والحديث بمجموع طرقه حسن
(15) الطبقات الكبرى لابن سعد (2/76)
(16) روضة المحبين ونزهة المشتاقين: (ص: 3)
(17) مصنف عبدالرزاق: (1/411)، حديث: 1609
(18) السنن الكبرى للبيهقي: (9/392)، حديث: 18862
(19) المصدر السابق: حديث: 18863
(20) المائدة: 3
(21) آل عمران: 102
(22) تقدم تخريجه

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of