الاستعباد السياسي الخارجي أبين صور الاستعباد. ولذلك نجده يلاقي انتباها رئيسيا في المجتمعات والبلدان. ومن ثم يتم الاحتفال بيوم الحرية أو الاستقلال في جميع البلدان على أسس سياسية خارجية. بلادنا الحبيب الهند ليست شاذة في هذا الأمر. إنها تحتفل اليوم بالعيد الثالث والسبعين للاستقلال من عبودية الانكليز.
ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. الاستعباد ظاهرة متشعبة معقدة وهو يشمل ويتعدى الظواهر السياسية الخارجية إلى ما لا نهاية لها من الظواهر السياسية الداخلية، والظواهر الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية وغيرها ما لا تعد ولا تحصى في جميع أشكالها الخارجية والداخلية. وما يجعله أكثر خطورة، وأعقد اكتشافا أنه يعمل على مستوى الشعور واللا شعور كليهما. فلا يدرك إنسان في أغلب الأحيان بأنه تحت غل من أغلال العبودية. وهذا يميت الشعور بالعبودية، دع الحديث عن الجهد، والمكافحة، والمقاومة في سبيل كسر أغلال العبودية.
في هذا السياق، ألم يأن لنا أن نوسع مجال أنظارنا، وندقق وجهة نظرنا، ونعمق نمط تفكيرنا لنكشف الغطاء عن مظاهر الاستعباد والعبودية في مجتمعاتنا؟ حتى متى نضرب على أطبال فارغة للحرية والاستقلال لنقمع أصواتا تطالب بالمتطلبات الحقيقية للحرية والاستقلال؟ ألم يأت وقت أن نغوص في التيارات التحتية للمجتمع، ونحلل المظاهر الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية، وغيرها لنحصل على معرفة أشمل وأوسع للمشاكل التي نواجهها؟ إنه لا بد منه للإمساك بيد المشاكل إمساكا حقيقيا قويا ولإعداد خطة سليمة لتذليل العقبات المتتالية في سبيل حياة كريمة نبيلة موقرة. هنا يجب القول بأن ما سلف لا يهدف إلى الاستخفاف بشأن الاستقلال السياسي الخارجي بل هو تحفيز لتوسيع نطاق وجهة نظرنا إلى الأشياء وهذا بدوره يقوي ويعزز الاستقلال السياسي كالمبنى الذي تقويه إحاطة ساكنه بجميع أجزاءه الخارجية والداخلية من حيث القوة أو الضعف.
المسلمون الهنود يمرون بفترة حاسمة من تاريخهم في الهند. لا يمكن لمسلم أن يمنع نفسه بسهولة من وضع التطورات الأخيرة في سلة السلبيات أكثر منها في سلة الإيجابيات. لا نريد أن نعارضهم في ذلك لأن ما يتحقق أوضح من أن نضيع الوقت في إثباته أو إبطاله. إنما نريد أن نوجه عنايتكم وجهدكم إلى ما قد يبدو بعيدا مملا متعبا غير رومانسي في أول الأمر ولكنها هي الجادة التي تقودنا إلى النجاح الثابت في المدى البعيد على الرغم من خسارات طارئة غير ثابتة أثناء السفر.
الآن والآن فقط هو الوقت الذي يجب أن نركز فيه عنايتنا على إحياء وإنعاش مجتمعنا من جديد سياسيا، واقتصاديا، وثقافيا، ودينيا لنجعله مجتمعا أوعى وأغنى وأعلم وأدين. إن طبيعة التطورات الأخيرة من نوع قد يدفع حتى أحلمنا إلى طريق الصدام والعشوائية ولكنه يجب أن نتجنبها على أي حال؛ لأن طريق الصدام والنمط العشوائي طريق الخسران والدمار والتمسك بالحلم والأناة والتقدم إلى الأمام في مسلك مخطط آمن مسالم يجني الأثمار في نهاية المطاف. لنفهم أنه إذا وجب الهجوم الآن على أي شيء فينا فعلى الجهل، والأمية، والخوف، والفقر، والجوع وعديد من المشاكل التي نقدر على استئصالها ولكننا لا نهتم بها حق الاهتمام لطفافة تفكيرنا، ورومانسية آرائنا، وقصر مدى تخطيطنا، وهذا بدوره ينخر من كياننا الاجتماعي، ويضعفه حتى لا نستطيع على تجمع الحد الأدنى من القوة التي لا بد منها لضمان الحقوق إلى أهلها حتى في أمثل ديمقراطية. فليكن شعارنا في يوم الاستقلال هذا الرجوع إلى أصولنا في مجتمعنا، والهجوم على مظاهر العبودية والاستعباد فيها من الجهل، والأمية، والفقر، والجوع، والخوف لنهتف أحرارا ونعيش أحرارا!!!
نهنئكم بعيد الاستقلال ونحفظ التهنئة الأخيرة ليوم تحررنا فيه من الجهل، والأمية، والفقر، والجوع، والخوف، وأصناف أخرى من العبودية. نحن مسرورون اليوم وسرورنا بطلوع اليوم المتعهد المترقب لا يوازيها سرور حينما تنسجم أصواتنا بعفوية كاملة، وتتمدد قبضات أيدينا إلى السماء، ونصرخ بكل ما فينا من طاقة وقوة: عاشت الحرية…!!!