مصطفى صادق الرافعي وكتابه الفريد «إعجاز القرآن والبلاغة النبوية»

د. محمد زكريا الأزهري الكتب بين عرض ونقد

إن مصطفى صادق الرافعي من كبار الأدباء المصريين البارزين، عرف بحجة الأدب العربي وكاتب العروبة والإسلام وفارس القلم «تحت راية القران» قاد حاملي لواء المحافظة، ودعا إلى الالتزام بلغة القران، والدفاع عن التراث العربي الخالد.
ولد مصطفى صادق الرافعي في قرية بهتيم بمصر عام 1291 من الهجرة الموافق عام 1880 في أسرة متدينة، عرفت بحب العلم والمعرفة والادب، وأخذ الدراسة الابتدائيه في مدرسة الدمنهور، وأصابته في هذه الفترة حمى التيفود، فترك التعليم وعكف على التحصيل الشخصي، ولما بلغ الثلاثين من العمر صار أصم، وعين عام 1899م كاتبا بمحكمة طلخا الشرعية، ونقل منها إلى محكمة إيتاي البارودي، ثم محكمة طلخا الشرعية فالأهلية، وظل في هذه الوظيفة إلى وفاته عام 1937م ودفن بطنطا.
كلف الرافعي بالشعر من أول نشأته، وبدأ يقول الشعر ولما يبلغ العشرين، وفي عام 1903م من الميلادية أصدر ديوانه الأول، كان قوي الذاكرة، سريع الإدراك، وخير دليل على ذلك كتابه «تاريخ أداب العرب» في ثلاثة أجزاء، ألفه وعمره 30 سنة،
جبل الرافعي على ذوق مهذب مصفي، وحس دقيق أعلي، يقتدر على التجريد والتوليد والنفوذ إلى أسرار الأشياء، وكان شديد الاعتزاز بكرامته، وبهذا الاعتزاز تعرض لبعض المضايقات والمتاعب الاجتماعية من قبل معاصريه، وكان حاسدوه كثيرا يلتمسون له الهفوات ثم يفخمونها ويطلقونها من خلال أبواق عالية، فنتج من ذلك كله معارك قلمية بينه و بين خصومه، وبالأخص معركة المحافظة والتجديد، وكان غيورا تجيش حميته إن رأى اللغة العربية اتخذت ذريعة للنيل منها أو الاستهانة بها،
كان كاتبا بليغا، ومنشأ مكينا يخلق المعاني بكثرة ويبتكرها ويبدع في الصياغه ويحتال في الصنعة، ويعنى كل العناية بتهذيب العبارة وانتظام الجملة بالتقديم والتأخير وترادف المرادفات، وينتقي الكلمات بذوق وفن، ويؤثر السلامة باللفظة، كان مذهبه أن يعطي العربية أكبر قسط من المعاني ويضيف ثروة جديدة إلى العربية.
إن كتابه «إعجاز القرأن» يفوق كثيرا على كل ما سبق من تأليفات عن هذا الموضوع من حيث تقديمه لوجوه مختلفة من الإعجاز القرآني، لم يتسع الوصول إليها أحد قباه من العالمين من حيث استنباط الحكم والأسرار التي أودعها المؤلف في كتابه، فهو أسمى آيات البيان لأسلوب الرافعي.
وبما أن الكلام يدورحول «إعجازالقران» في هذا الكتاب فرأى أن ينزع في أسلوبه إلى شيء من الصنعة والتفنن وابتكار المعاني واختراع التعبيرات ليخرج موثق السرد متدامج الفقرة جيد النحت بالغ السبك، و ليلائم أسلوبه البليغ مع جلال الموضوع «إعجاز القران»
إن هذا الكتاب قام بسد ثغرة واسعة في الدراسات القرآنية ولا يزال حتى الأن وبعد مضي أكثر من نصف قرن من الزمان على تأليفه يقف على رأس كتب الدراسات القرأنية، وأكاد أقول : إن معظم المتخصصين والمتفرغين لهذا الموضوع في جوهر ما كتبوا عيال على هذا الكتاب، واستحدث الرافعي فيه موضوعات جديدة لم يسبق لها نظير، فيتحدث عن أثر القرآن في تهذيب الروح العربية وجمع كلمة قبائل العرب على اختلاف لهجاتها ومنازعها و«الأداب القرآنية» وما إلى ذلك مما بعث في الكتاب روحا جديدة جعلت الناس يتقبلونه على أنه لون جديد لم يألفوا مثله.
وحديث الرافعي عن البلاغة النبوية ليس قليلا عن حديثه عن إعجاز القرأن، فما كتبه الرافعي عن هذا الموضوع فيه أصالة وذوق، وبذل فيه جهدا كبيرا في صياغتها معنى وأسلوبا وموسيقا، فعندما يكتب الرافعي في البلاغة النبوية يبدو كأنه يعيش في جو نفسي ينقله إلى روضة كلام أفصح الفصحاء صلى الله عليه وسلم، حقا إنه صور بلاغة الرسول صلى الله عليه وسلم كما تراءت له، فأجاد التصوير على النحو الذي كان ينتظر منه وعلى الطريقة التي رضيها لقلمه وارتضته، فإن كان كتابه «إعجاز القران» تنزيلا من التنزيل أو قبسا من نور الذكر الحكيم فما أجدر أن يقال عن حديثه عن البلاغة النبوية «شعاع من النبوة أسفره يراع مبين».

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of