الابتكار في إعداد المناهج الدراسية للصغار والكبار

شميم أحمد الندوي المنوعات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد النبي الأمين، وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد!
فإن اللغة العربية لغة حية راقية تحتل مكانة مرموقة متميزة بين لغات العالم مع كثرتها ووسعتها وقد بقيت ونشأت على وجه الأرض بخصائصها وميزاتها منذ زمن بعيد في وقت اندرست معظم اللغات القديمة وحرمت من خصائصها وفقدت ميزاتها أو اندمجت في لغة أقوى منها.
ولا شك أن هذه اللغة الكريمة تحتل مكانة رفيعة لا يمكن شرحها وبيانها في نفوس المسلمين، وكفى لها شرفا وعزا أن الله اختارها لكلامه المجيد وإنزال وحيه العظيم على أفضل البشر وأشرف الأنبياء خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم مع أنه كان ملقبا بأمي لا يعلم الكتابة والقراءة، ولكن أصبح يعلم أبناء قومه ويقدم دعوته أمام البشرية جمعاء، ويعلمهم الكتاب والحكمة بأسلوب رفيع ولسان عربي مبين، كما قال الله تعالى: "هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة” (الجمعة: 2) والقرآن هو الكتاب العزيز الذي "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد” (فصلت: 42) وهو محفوظ ومصون من كيد أعداء الدين من الجن والإنس والشياطين.
ووعد الله محافظته وصيانته كما قال سبحانه تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه.” (القيامة: 16) وقال: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” الحجر: 9).
وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان كلامه مستنيرا من نور الوحي والهداية الربانية، كما قال الله تعالى: "وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى” (النجم: 3،4).
ومحافظة القرآن وصيانته من التحريف والتأويل تستلزم محافظة ألفاظه وجمله وتعبيراته ومحافظة معانيه والحكم والعبر المكنونة فيه ولايتحقق هذا الهدف النبيل إلا بمحافظة اللغة التي أنزل القرآن فيها فنجد أن اللغة العربية وآدابها وعلومها ومعارفها لاتزال تتقدم وتعلو وتنهض وتتسع آفاقها يوما فيوما.
وأما اللغات الأخرى التي أنزلت فيها الكتب السماوية الأخرى، مثل: التوراة والإنجيل، فقد اندثرت وفقدت وجودها أو انكشفت في نطاق محدود وفي أمة محدودة من بني إسرائيل لأن الله ما أراد صيانتها وما وعد بقائها وبالعكس، فإن اللغة العربية لاتزال تتقدم وترتقي وتتلقى النمو والازدهار والقبول والانتشار حتى أنها أصبحت من إحدى اللغات المعترف بها رسميا في هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة من بين اللغات الكثيرة واحتلت اللغة العربية مكانة خاصة لما اعترفت الأمم المتحدة ومنحتها شهادة القبول مع ست لغات عالمية فقط كما تجاوز عدد الناطقين بها من أربعمائة وخمسين مليون نسمة مع قلة السكان في دول الخليج والدول العربية الإفريقية.
وازداد إقبال الناس أخيرا إلى تعلم هذه اللغة وممارستها من المسلمين وغير المسلمين حينما فتحت مجالات متعددة لفرص العمل في دول الخليج بعد اكتشاف النفط فيها.
فنظرا إلى هذه الحقيقة التي أشرت إليها مازال المسلمون يهتمون باللغة العربية أكثر مما يهتمون بأي لغة أجنبية أخرى في كل عصر ومصر وفي كل زمان ومكان وجعلوا يعلمون أولادهم وطلابهم اللغة العربية بكل ما تيسر لهم من إمكانيات ورسائل وفتحوا معاهد وكتاتيب ومدارس وجامعات بعدد كبير لنيل هذا الغرض وتحقيق هذا الهدف، يعلمون فيها المواد الدينية والشرعية والمناهج الدراسية العصرية مع اعتنائهم باللغة العربية عناية خاصة.
ولا شك أن الهند وشبه القارة الهندية تعد من تلك الدول التي يهتم المسلمون فيها اهتماما بالغا ويركزون إلى جانب هذه اللغة العربية تركيزا كبيرا مع بعدها من مراكز اللغة العربية وذلك بتعليم أبنائهم بها وبتثقيفهم بالثقافة الإسلامية، لأن علاقة المسلمين بهذه اللغة الحلوة والجذابة وطيدة ووثيقة وصلتهم بها صلة أكيدة في الهند وفي شبه القارة الهندية منذ زمان بل منذ أن عرفت بنور الإسلام.
وقام العلماء والمصنفون وذووخبرة في مجال التعليم في تلك البلدان بإعداد الكتب الدراسية المفيدة
لتعليم هذه اللغة ولا ننكر فوائدها، ولا نجحد جهود هؤلاء العلماء في هذا المجال وخدماتهم الجليلة ولكن وجدنا وجربنا أن الطلبة لا يملكون القدر الكافي من الممارسة والدراسة ولا يقدرون على النطق والتحدث وكتابة البحوث والمقالات وإبداء مشاعرهم وعواطفهم باللغة العربية الفصحى مع ما يقضون سنين عديدة من حياتهم الثمينة في تعلم اللغة والتمرن عليها وحصول آدابها وبلاغتها والإنشاء والترجمة والصرف والنحو وما إلى ذلك من العلوم ما يتعلق باللغة، والسبب في ذلك الحرمان أن اللغة ليست شيئا متحجرة وجامدا بل هي حية نامية وصالحة للتطور والتقدم وتستطيع أن تتخطى مع الزمان قدما بقدم، فلابد أن تستمر أعمال الإصلاحات اللازمة في المنهج حسب متطلبات العصر.
فلتحقيق هذا الغرض ما زال العلماء والمفكرون والباحثون ورواد التعليم العربي في كل عصر يقومون بإصلاح المناهج الدراسية لتكون ملائمة لطلاب العلوم العربية والنشء الجديد صالحة لقضاء حوائجهم التعليمية.
فأهنئ وأقدم شكري وتقديري للأخوين الفاضلين والعلمين الخبيرين الشيخ شميم أحمد عبد الغفار والشيخ محفوظ الرحمن حفيظ الله السلفي الذين شعرا بهذه الحاجة المهمة، وقرر أن يملآ هذا الفراغ فقاما بإعداد وترتيب السلاسل المفيدة لتعليم اللغة العربية بطريقة مبتكرة وأسلوب جيد ولم يألوا جهدا لجعلها أنفع وأسهل للجيل الناشئ مع مراعات أذهانهم وميولهم ورغباتهم وهما ذوا كفاءة جيدة ويحملان خبرة واسعة وتجربة عميقة في مجال التدريس وتعليم اللغة العربية.
وصدرت من هذه السلاسل حتى الآن سلسلة "تعلم اللغة العربية” من الروضة إلى الصف العاشر فأصبحت هذه السلسلة صالحة للطلاب الصغار وحتى الطلاب المراهقين وتسد حاجاتهم الدراسية من جميع النواحي وسلسلة أخرى "تعلم الكتابة” و”تعلم المفردات” و”تعلم الأدعية” و”تعلم النحو والصرف” و”تعلم القرآن”.
فأحث مسؤولي المدارس الإسلامية وأصحاب المعاهد الدينية والقائمين على مراكز اللغة العربية والمعلمين فيها أن ينظروا إليها بعين القبول والاعتبار ويدخلوها في مدارسهم ويلحقوها في مناهجهم الدراسية.
وأكرر شكري وتقديري وإعجابي بالأستاذين البارعين الذين قاما بملء هذا الفراغ العلمي.
وأسأل الله العلي العظيم أن يتقبل جهودهما ويجعل هذه السلسلة المبتكرة والجديدة نافعة، ويحصل منها الهدف والغاية المقصودة من تعلم اللغة العربية ونشر العلوم الدينية من الكتاب والسنة عن طريقها. فبارك الله في جهودهما وعلمهما.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of