أسباب النصر على الأعداء

افروز عالم ذكر الله السلفي المنوعات

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، امتن علينا بنعمة التمكين في الأرض، وتيسير المعايش؛ فقال سبحانه: "وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ” ( الأعراف، الآية: 10)
ولقد أنعم الله على أهل الإسلام بنعم عظيمة، يشكرون الله في السراء، ويصبرون في الضراء. يعلمون أن النصر من عند الله، وأن الهزيمة من عند أنفسهم، كما علمهم ذلك ربهم فقال: "أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ”( آل عمران : الآية:165)
وهذه الأمة رغم خيراتها وفضائلها، حصل فيها بطش عاد، ومعصية قوم لوط، وسحر فرعون وقومه، وتطفيف أهل مدين، وسخرية قوم نوح، وكيد إخوة يوسف، وجرائم ومعاصي بجميع أنواعها. لكنهم في محنتهم وكيد أعدائهم لهم، وفي كل أحوالهم مطالبون بطلب النصر من الله سبحانه؛ ففيه نجاتهم والتغلب على أعدائهم. وإذا اتحدت لديهم كلمة الدين، وحصل التعاون على البر والتقوى فيما بينهم، فلن يستطيع الأعداء قتالهم ولا مواجهاتهم.
وقد بين الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة أن النصر منه وحده، وليس من جيوش رادعة ولا من حصون مانعة، فقال سبحانه: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (الأنفال، الآية:10)
لكن كيف يتحقق النصر؟ وما هي الوسائل المطلوبة لتحقيقه؟

أولا: توحيد الله الخالص

كما قال الله سبحانه تعالى'”وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى ٱلْأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِى لَا يُشْرِكُونَ بِى شَيْـًٔا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هم ٱلْفَٰسِقُونَ” (النور، الآية:55)
فإنه أعظم عامل للاستخلاف والتمكين فى الأرض: والتمكين هو مقام الرسوخ والاستقرار على الاستقامة (التعريفات:92)
وقد فسر المفسرون هذه الآية، فقال ابن كثير رحمه الله:
"وهذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض أي أئمة الناس والولاة عليهم، وبهم تصلح العباد والبلاد، ويخضع لهم العباد، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا وحكما فيهم، وقد فعله تبارك وتعالى وله الحمد والمنة”.( تفسير القرآن العظيم: 480/03)
وقد قال صلى الله عليه وسلم فى حديث أبي بن كعب: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين فى الأرض، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له فى الآخرة من نصيب” (الإحسان فى تقريب صحيح ابن حبان،باب ذكر وصف إشراك المرء بالله جلاو علا فى عمله، رقم: 405، و مستدرك الحاكم بلفظ مقارب فى: 364/04 وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي رحمه الله وهو في صحيح الجامع برقم:2825)
وقال ابن الأثير رحمه الله:
بشر أمتى بالسناء: أي بارتفاع المنزلة والقدر عند الله، وقد سنى يسنى سناء أى ارتفع. (النهاية في غريب الحديث 414/02)
وقال ابن جرير رحمه الله: ليورثهم أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكا وساستها. ( جامع البيان 158/18، طبعة دارالفكر، معالم التنزيل 353/03)
وقال البيضاوي: ليجعلهم خلفاء متصرفين فى الأرض تصرف الملوك فى ممالكيهم (أنوار التنزيل:197/04)
وقوله سبحانه: "وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِى ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ”
قال ابن عباس رضي الله عنهما: يوسع لهم البلاد حتى يملكوها ويظهر دينهم على سائر الأديان.(معالم التنزيل: 354/03، فتح القدير: 47/04)
وقال ابن جرير رحمه الله: وليوطئن لهم دينهم يعني ملتهم التى ارتضاها لهم فأمرهم بها.(جامع البيان:159/18)

ثانيا: التوكل على الله، والأخذ بالأسباب المشروعة

قال تعالى: "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا” (الفرقان، الآية:58)
أي الله كافينا فلا نتوكل إلا على الله.
وقال سبحانه: ” إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ ۖ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ” (آل عمران، الآية: 160)
وقال: "وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا "( الأحزاب، الآية 3)

ثالثا: الرغبة فى ثواب الله يوم القيامة

فعنْ أنَسٍ رضي الله عنه، قالَ انْطَلقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى سَبَقُوا المشْركِينَ إِلَى بَدرٍ، وَجَاءَ المُشرِكونَ، فقالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ يَقْدمنَّ أحَدٌ مِنْكُمْ إِلَى شيءٍ حَتَّى أكُونَ أنَا دُونَهُ فَدَنَا المُشرِكونَ، فقَال رسُول اللَّه ﷺ: قُومُوا إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمواتُ وَالأَرْضُ قَالَ: يَقولُ عُمَيْرُ بنُ الحُمَامِ الأنْصَارِيُّ : يَا رسولَ اللَّه جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمواتُ والأرضُ؟ قالَ :نَعم قالَ: بَخٍ بَخٍ، فقالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَولِكَ بَخٍ بخٍ؟ قالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رسُول اللَّه إلاَّ رَجاءَ أَنْ أكُونَ مِنْ أهْلِها، قَالَ: فَإنَّكَ مِنْ أهْلِهَا فَأخْرج تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ، فَجَعَل يَأْكُلُ منْهُنَّ، ثُمَّ قَال لَئِنْ أنَا حَييتُ حَتَّى آكُل تَمَراتي هذِهِ إنَّهَا لحَيَاةٌ طَويلَةٌ، فَرَمَى بمَا كَانَ مَعَهُ مَنَ التَّمْرِ. ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. (رواهُ مسلمٌ فى صحيحه، كتاب الإمارة، باب ثبوت الجنة للشهيد، رقم الحديث: 1901.)
فهذا الحديث في فضل الجهاد، وأن الجهاد في سبيل الله بإخلاص وصدق من أسباب الجنة، والنجاة من النار، وأن المجاهدين موعودون بالدرجات العليا في الجنة لجهادهم وصبرهم وإيثارهم طاعة الله على حياتهم ونفوسهم، ولهذا قال لأهل بدر: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض لما تقدموا للقتال يوم بدر. وهذا يدل على أن الجهاد له شأن عظيم، وأن أهله موعودون بالجنة، وأن الصادقين المخلصين على خير عظيم.
وهكذا حديث عمير بن الحمام لما سمع فضل الجهاد وفضل المجاهدين -وكان بيده تمرات- فقال: يا رسول الله بخ بخ، قال: وما بخ بخ؟ قال: ما بي إلا أني أرى أن حياتي طويلة إذا بقيت حتى آكل هذه التمرات، وأن الجهاد فضله عظيم وأني أريد الجنة، فقال: أنت من أهلها. فهذا يدل على أن الله جل وعلا أخبره بأنه من أهل الجنة، وأنه يقتل شهيدًا؛ فألقى التمرات التي بيده وجعل يقاتل حتى قتل.
يدل هذا الحديث على أن أهل الإيمان ممتحنون، ولهم أعداء، وأن صبرهم وجهادهم من أعظم الأسباب في نجاتهم وسعادتهم وفوزهم بالدرجات العالية في دار الإقامة دار النعيم، وهذه الدار دار الامتحان ودار البلايا والمحن، فلا بدّ من الصبر في الجهاد وفي أداء فرائض الله وترك محارم الله، وفي الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيره من الأمور. فهذه الدار دار العمل، ودار الصبر ودار الامتحان، ودار المجاهدة، فمن أخلص لله أفلح.

رابعا: قتال أعداء الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا

من أقوى أسباب النصر على أعداء الإسلام هو قتالهم لتكون كلمة الله هي العليا، فمتى ما جاهدوا في سبيله لإعلاء كلمته وإعزاز دينه؛ تكفل الله بنصرهم على عدوهم وأظفرهم عليهم فقال تبارك وتعالى: "الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: الآية: 40)
وقال عقبها: "الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ” (الحج، الآية:41)
وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد: الآية:7)
فهذه صفات من وعدهم الله بالنصر، وهو مشروط بنصرهم له.
وفى الحديث عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:- قالَ أَعْرَابِيٌّ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، ويُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَن في سَبيلِ اللَّهِ؟ فَقالَ: مَن قَاتَلَ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ. (رواه البخاري في كتاب فرض الخمس، باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره، رقم:1810/ و مسلم فى صحيحه، في كتاب الجهاد، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو فى سبيل الله، رقم الحديث: 3126)

خامسا: حسن اختيار القيادة العسكرية

ومن أسباب النصر على أعداء المسلمين، حسن اختيار ولي أمر المسلمين قادة الجيوش من ذوى التقوى والصلاح والخبرات العسكرية بغض النظر عن السن، كما نرى فى التاريخ الإسلامي أن بعض أمراء الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا صغار السن مثل زيد بن حارثه وجعفر بن أبي طالب و عبدالله بن رواحة رضي الله عنهم.

سادسا: الثقة الكاملة بنصر الله

لقد جعل الله نصر عباده المؤمنين وغلبتهم على الكافرين حقا أوجبه على نفسه الكريمة تكرما منه وتفضلا.
فقال سبحانه: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (تفسير القرآن العظيم،694/03، فتح البيان، 261/10، الروم، الآية:47)
وكتب سبحانه فى كتابه الأول، وحكم بحكم لا يغير ولا يبدل، بأنه ناصر لأهل الإيمان وأن العاقبة لهم فقال: "كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِىٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ” (الجامع لأحكام القرآن، 306/17، تيسير الكريم الرحمان، ص:7806، المجادلة، الآية- 21)
فاستبشروا أهل الإيمان بأن وعد الله حق، قال سبحانه: "وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء، الآية:104)
وقال: "وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ، وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴿الصافات، الآية:171-173﴾
قد يحصل النصر والغلبة بأسباب مألوفة معتادة كتقتيل المؤمنين الكافرين، وقد يحصل بأسباب غير مألوفة ولا معتادة كإلقاء الرعب في قلوب الأعداء، وتسخير بعض مخلوقاته كالحر والبرد والرياح والعواصف والظلام والبرق وغير ذلك، فيجب على المسلمين أن يكونوا على ثقة بنصر الله وتأييده لهم ضد أعداء الإسلام.

سابعا: الحرص على طاعة الله واجتناب المعاصي

من أقوى أسباب انتصار المسلمين على أعدائهم، قال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ (الشورى، الآية:30)
وقال: ‘”ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ( الروم، الآية:41)
وفى الحديث: "يكونُ في آخرِ هذه الأمة خسفٌ، ومسخٌ، وقذفٌ، قيل: يا رسولَ اللهِ ‍ أنهلِكُ و فينا الصالحون ؟ قال : نعم، إذا ظهَر الخَبَثُ. (أخرجه الترمذي (2185)، وأبو يعلى (4693) باختلاف يسير، صحيح الجامع، رقم: 8156)

ثامنا: الاتحاد والتعاون، ونبذ الفرقة والاختلاف

الفرقة والاختلاف هي سبب للضعف، والبعد عن العز والنصر والتمكين، وأن التنازع والتفرق سبب رئيس من أسباب الهزائم، كما حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فى غزوة أحد بسبب الاختلاف، ما أدى إلى استشهاد أكثر من سبعين صحابيا وانتشر خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كذبا وزورا.

تاسعا: الإكثار من الدعاء و الذكر

فقال سبحانه: ” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (النمل، الآية:62)
رَوى أبو داود في صحيحِه مِن حَدِيث سَلْمَانَ رَضِيَ اللهُ عنه أنه قالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم (إِنَّ رَبَّكُمْ حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)(صحيح سنن ابي داود للألباني، رقم الحديث: 1323)

عاشرا: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة

إقامة الصلاة توثق صلة العبد بربه، ومن وثق صلته بالله قواه ونصره على من عاداه، وإيتاء الزكاة يوثق الصلة بين أفراد المجتمع ويجعلهم صفا واحدا.

الحادي عشر: الحذر من الركون إلى الظالمين

قال تعالى وهو يحذر من الركون إلى الظالمين: "وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (هود، الآية: 113)

الثاني عشر: الاستيقاظ لصلاة الفجر

فصلاة الفجر من أسباب النصر على الأعداء
– عَنْ أنَسِ بنِ مَالِكٍ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذَا غَزَا بنَا قَوْمًا، لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بنَا حتَّى يُصْبِحَ ويَنْظُرَ، فإنْ سَمِعَ أذَانًا كَفَّ عنْهمْ، وإنْ لَمْ يَسْمَعْ أذَانًا أغَارَ عليهم، قالَ: فَخَرَجْنَا إلى خَيْبَرَ، فَانْتَهَيْنَا إليهِم لَيْلًا، فَلَمَّا أصْبَحَ ولَمْ يَسْمَعْ أذَانًا رَكِبَ، ورَكِبْتُ خَلْفَ أبِي طَلْحَةَ، وإنَّ قَدَمِي لَتَمَسُّ قَدَمَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: فَخَرَجُوا إلَيْنَا بمَكَاتِلِهِمْ ومَسَاحِيهِمْ، فَلَمَّا رَأَوُا النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالوا: مُحَمَّدٌ واللَّهِ، مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ، قالَ: فَلَمَّا رَآهُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنَّا إذَا نَزَلْنَا بسَاحَةِ قَوْمٍ {فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ} [الصافات: 177]
(رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب ما يحقن بالأذان من الدماء، رقم الحديث:610)
ومعلوم أن النهار يبدأ من الفجر فإذا أدى الجنود صلاة الفجر جماعة ودعوا الله بالنصر على أعدائهم استجاب الله.

الثالث عشر: الصبر والثبات على الإسلام

وبالصبر يأتي المدد من السماء، قال سبحانه: "وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( الأنفال، الآية:10)
وبالصبر يذهب أذى الأعداء فقال سبحانه وتعالى: "إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ( آل عمران، رقم الآية:120)
وفى الحديث: "أمتي أمةٌ مرحومةٌ ليس عليها عذابٌ في الآخرةِ، عذابُها في الدنيا: الفِتنُ والزلزالُ والقتلُ” (صحيح الجامع الصغير، رقم الحديث: 1396)
ولا تقنطوا من رحمة الله، كما قال تعالى: "وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ” ( الحجر، رقم الآية: 56)
وتكون العاقبة لعباده الصالحين، كما جاء في الحديث: "واعلَمْ أنَّ النَّصرَ مع الصَّبرِ، وأنَّ الفرَجَ مع الكرْبِ، وأنَّ مع العُسرِ يُسرًا” (رواه أحمد بسند صحيح، رقم الحديث: 283، الأحكام الشرعية الكبرى 333/03 وصححه الألباني رحمه الله )
وفي الصَّبرِ على ما تَكرَهُ النفس، خير كثير للعبْدِ، وهو أفضَلُ له مِن الجزَعِ، "والصَّبرُ مِفتاحُ كلِّ خيرٍ مع إخلاصِ النِّيَّةِ للهِ، و أنَّ رَحمةَ اللهِ بعِبادِه قريبةٌ، فيَجعَلُ مع الضِّيقِ والشِّدَّةِ تَفريجًا، فلا يَيأَسِ العبْدُ مهما أصابَه.
وهذا كلُّه مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ للأُمَّةِ؛ أنْ تَتعامَلَ بصِدْقٍ مع اللهِ، وأنْ تُراقِبَه في كلِّ أعمالِها، وألَّا تخافَ غيرَه سُبحانه؛ فمِنْه النَّفعُ والضُّرُّ، وأنْ تُربِّيَ أطفالَها على هذه المفاهيمِ الطَّيِّبةِ، فيَنْشَؤُوا ويَشِبُّوا عليها.
وهنا يختلج في قلوبنا وأذهاننا سؤال:
لماذا لا ينصرنا الله على أعدائنا؟
ألسنا على الحق، وأعداءنا على الباطل؟
ألسنا ندعوا إلى الفضيلة، وهم يدعون إلى الرذيلة؟
ألسنا فى صف الرحمان، وهم في صف الشيطان؟
نتعرض للاعتداء، والمذابح، وهدم المساجد، ويصبح الأطفال يتامى، والنساء أرامل، وفتيات يتعرضن للاغتصاب والانتهاكات. إلى متى تستمر حال الأمة هكذا؟
أخي! لا تحزن، إن الله معنا، وأن نصر الله لقريب.
يجب علينا أن نصلح حالنا مع ربنا جل جلاله، ونخلص التوحيد له سبحانه، ونتخلص من جميع صور الشرك، ونحاسب أنفسنا. وأن نحرص على إقامة الصلوات الخمس، والإكثار من تلاوة القرآن والذكر، وأن يبذل كل واحد منا ما يستطيع من جهود مالية وبدنية وفكرية، فوالله لو بذلنا نصف ما يبذله أعداءنا من جهود لتغيرت أحوال العالم كله.
"يليت قومي يعلمون.” (سورة يس، رقم الآية: 26)
ولا ينبغي أن نستمع إلى ضعاف الإيمان الذين استسلموا لأعدائهم، وأعطوهم قيادتهم، وأيسوا من رحمة الله ونصره، فهذه حال المنافقين.
أسأل لله تعالى أن ينصر دينه ويعلى كلمته، وأن يرزقنا الأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك، آمين تقبل يا رب العالمين

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of