حسب آخر ما وصلت إلينا من إحصائيات مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على الصعيد العالمي، قد أصيب 15,11,104 شخصا بهذا المرض، تعافى منهم 3,28,661، ومات 88,338. ومن خطورة الأمر أن هذا المرض قد انتشر في جميع بلدان العالم قليلا أم كثيرا. من البلدان ما انتشر فيه هذا المرض انتشارا واسعا شاملا أودى بحياة الكثير من الناس، ومنها ما انتشر فيه انتشارا كثيرا ولكن أقل من الفئة الأولى من البلدان، ومنها ما وجدت فيه الإصابات ولكنها قليلة جدا.
نبع هذا المرض من الصين وسبب موت الآلاف. ولكن الحالة في الصين تحت السيطرة الآن والبلدان مثل الولايات المتحدة، وإسبانيا، وإيطاليا، وألمانيا، وفرنسا، وإيران، والعواصم المتحدة في حالة خطرة جدا فإنها تجرب الأعداد المستجدة كل يوم من مصابي هذا المرض وضحاياه.
العالم كله في حالة الحرب ضد هذا المرض الذي يهجم على البشر على حين غرته وعدم معرفته وينتشر في صفوفه انتشارا لا يكاد يعرف متى وكيف. والحقيقة أنه لا يوجد دواء أو لقاح لهذا المرض يزيد من خطورته ويعقد علاجه ويجعل الحذر أمضى سلاح لمكافحته.
بلادنا الحبيب أيضا يمر بحالة صعبة، فحسب آخر إحصائيات للمرض في بلادنا، هناك 5,274 حالة للإصابة، و 411 حالة للتعافي، و 149 موتا. وقد ازداد اكتشاف الحالات في الأيام القليلة الماضية ويرى الخبراء أن الحالات ستزداد مع زيادة في الفحص والرقابة. وبالنظر إلى ما قد يسبب هذا المرض في بلدان نامية مثل بلادنا من دمار شامل أعلنت الحكومة الإغلاق الكامل، ونفذت الحجر الصحي، وألزمت الناس المكوث في البيوت لأحد وعشرين يوما بداية من 15 مارس، 2020 وانتهاء حتى 14 أبريل، 2020. والتقارير الصحفية تشير إلى أن هذا الإغلاق الكامل سوف توسعه الحكومة على الأغلب نظرا إلى اكتشاف حالات جديدة للمرض في البلاد. هذه إجراءات صائبة لأن المرض متعدي ينتقل من شخص إلى شخص "من خلال السعال والعطس أو ملامسة شخص لشخص مصاب أو لمس سطح مصاب ثم الفم أو الأنف أو العينين” ولأنه لا يوجد له دواء أو لقاح حتى الآن.
في هذا السياق، يلزم علينا أولا رباطة الجأش واجتناب الهلع والجزع ثم أخذ الحذر واتباع الأوامر والإرشادات التي تعلنها الحكومة والمنظمات الدولية المعنية. هذه الأوامر والإرشادات شائعة بيننا ولكنني أذكر أهمها هنا لعلها تنفع. فأول شئ يوصى به "اتباع ممارسات النظافة الشخصية الجيدة بما في ذلك غسل اليدين بشكل متكرر، وشرب السوائل بكثرة، وتغطية الأنف والفم بمنديل أو بكوعك عند السعال [والعطس].” والشئ الثاني هو البقاء في المنزل عندما تشعر بالمرض وإخبار مراكز الصحة بذلك فورا والخضوع لجميع الإجراءات الطبية خضوعا تاما لأن هذه الإجراءات لصالحك أنت لا لصالح غيرك. علاوة على ذلك، يلزم عليك البقاء في المنزل حتى عندما لا تشعر بالمرض اللهم إلا لضرورة قصوى تستوفيها في أقل وقت ممكن وترجع إلى بيتك في أقل وقت ممكن. وأخيرا، عليك ممارسة التباعد الاجتماعي أي "البقاء على بعد ستة أقدام على الأقل من الآخرين”.
هذه أيام صعبة جدا لنا جميعا، طفلا أم كهلا، شابا أم شيخا، امرأة أم رجلا، معافى أم مريضا، فقيرا أم غنيا. ولكن الصعوبة ليست متساوية للجميع فكما أن الصعوبة لكثير منا تتمثل في المملات والشدائد المتعلقة بالبقاء في المنزل والانعزال عن الحياة الاجتماعية التي تعودناها، هناك من ترهقه فكرة لقمة عيشه في هذا الإغلاق الكامل الذي توقفت فيه عجلات العمل والتجارة توقفا مفاجئا. فالمتسول الذي كان يجد من حشد الناس قوته اختبأ باختباء الناس ولا يدري أحد أي عيش يعيش، والكادح الذي كان يعمل طوال النهار ليطعم نفسه وأهله في الليل ركد حيث كان هو لا يجد عملا ولا قوتا، والإنسان العادي الذي كان يدخر قليلا يؤرقه نفاد ادخاره شيئا فشيئا.
في هذا الجو العسير، الثري الذي يملك ما يسد حاجاته لزمن مديد، ويتمتع ما عدا ذلك بالفائض فهو صاحب حظ وفير، ولكن هذا الحظ العظيم يحتم عليه المسؤوليات الإنسانية الكبيرة تجاه أسرته البشرية وبخاصة في هذا الزمن الذي نعايشه تحت حكومة لاتفي بواجباتها كما يجب. فعلى الثري أن يبحث عن الفقراء والمساكين والكادحين وينفق عليهم سواء هم يسألون أو لا يسألون. ويلزم عليه أن ينظم مع أمثاله شبكات توزيع الحاجيات للفئات المستحقة ويوصلها إليها بالتنسيق مع الحكومة والمجتمع المدني. وأثناء ذلك كله، يلزم عليه الإخلاص، ومراعاة احترام الإنسان والإنسانية، وتفادي الرياء والسمعة والدعاية البذيئة على منصات التواصل الاجتماعي وغيرها.
الظروف استثنائية فالمتطلبات استثنائية. ضيق العيش كاد أن يكون قاعدة، فلا بد من السخاء أن يكون مضادة لها. الحذر درع، والوعي سلاح. دمتم في رعاية الله.
Leave a Reply