الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, وبعد.
لقد اشتهر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبيَّ بنَ كعب وتميمًا الداريَّ في عهده بأن يَقُومَا للناس في رمضان بعشرين ركعة, حتى أن بعضهم ادَّعى الإجماع على ذلك, فأحببتُ أن أقوم بتخريجه حتى يتبيَّن الحق لمن يريده, فأقول وبالله التوفيق:
أخرج الإمام مالك في «الموطأ» (1/110, ح280) ومن طريقه النسائي في «الكبرى» (4/424, ح4670) عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه قال: أمر عمر بن الخطاب أبيَّ بنَ كعب وتميمًا الداريَّ أن يقومَا للناس بإحدى عشرة ركعة, قال: «فكان القارئ يقرأ بالمِئِين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في فروع الفجر».
وهو إسناد صحيح, نظيف جدًا: محمد بن يوسف من رجال الشيخين, قال الحافظ : ”ثقة ثبت“. (التقريب , ص515, رقم الترجمة: 6414).
والسائب بن يزيد صحابي رضي الله عنه وأرضاه.
والإمام مالك تابعه عليه يحيى بنُ سعيد القطان عند ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/162, ح 7671) وعُمرُ بنُ شَبَّة في تاريخ المدينة (2/713).
وأخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (4/260, ح7730) عن داود بن قيس، وغيره، عن محمد بن يوسف، عن السائب بن يزيد، أن عمر: جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب، وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة يقرءون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر.
وهذه الرواية مخالفة لرواية الإمام مالك ويحيى بن سعيد القطان رحمهما الله, والراجح –والله أعلم- ما رَوَيَاه, وهي إحدى عشرة ركعة؛ ورواية إحدى وعشرين خطأ, فإن عبد الرزاق بن همَّام الصنعاني ذكر الإمام أحمد بن حنبل أنه عمِي في آخر عمره, فكان يُلَقَّن فَيَتَلَقَّن . (انظر: مقدمة ابن الصلاح ص498).
فلا تُرَجَّح ما جاء في روايته على رواية الضابِطَيْن المُتقِنَيْن –وهما الإمام مالك ويحيى بن سعيد القطان-.
فالراجح عن محمد بن يوسف فيه إحدى عشرة ركعة, والله أعلم.
ومحمد بن يوسف خالَفه الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب ويزيد بن خُصيفة فيها.
أما رواية الحارث بن عبد الرحمن بن أبي ذباب فأخرجها ابن عبد البر في «التمهيد» (8/114) وفي «الاستذكار» (2/69) عنه مُعَلَّقًا بلفظ: كنا ننصرف من القيام على عهد عمر (بن الخطاب) وقد دنا فروع الفجر, وكان القيام على عهده بثلاث وعشرين ركعة.
فالإسناد إلى الحارث لا يثبت؛ لأنه مُعَلَّق, والمُعَلَّق من أقسام الحديث الضعيف كما لا يخفى, وعلى فرض ثبوته إن الحارث هذا صدوق يهم. (التقريب, رقم الترجمة:1030) .
فلا تصح معارضته للرواية الصحيحة الثابتة, ولعلَّه من أوهامه. والله أعلم.
أما رواية يزيد بن خُصّيفة فأخرجها البيهقي في «السنن الكبرى» (2/698, ح4288) وفي «فضائل الأوقات» (1/276) بلفظ: ”كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه في شهر رمضان بعشرين ركعة”, قال: "وكانوا يقرءون بالمئين، وكانوا يتوكئون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه من شدة القيام“.
ويزيد بن خصيفة ثقة. (التقريب, رقم الترجمة:7738).
لكنَّ محمد بن يوسف أوثق منه كما في «التقريب» (ص515, رقم : 6414) , قال فيه إنه ثقة ثبت, وهو ابن أخت السائب بن يزيد رضي الله عنه, فهو أعلم بروايته من غيره لقرابته, والله أعلم.
ويزيد بن خُصَيفة تُكُلِّم فيه أيضًا, فقد ذكره الحافظ الذهبي في «الميزان» (4/430, ح9715), وذكر عن الإمام أحمد أنه قال: ”منكر الحديث“.
فالراجح والثابت هي رواية محمد بن يوسف (إحدى عشرة ركعة), والله أعلم .
هناك روايتان أُخْرَيَان وَرَدَتَا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قيام الليل:
الأولى: أخرج الإمام مالك رحمه الله في «موطأه» (1/110, ح281) عن يزيد بن رومان أنه قال: كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب بثلاثة وعشرين ركعة في رمضان.
لكنه منقطع بين يزيد بن رومان وعمر بن الخطاب رضي الله عنه, فإنه لم يدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه, توفي سنة مئة وثلاثين من الهجرة, وروايته عن أبي هريرة مُرسَلة. (التقريب, ص601, رقم الترجمة:7712).
الثانية: أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/163, ح7682) عن وكيع عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب أمر رجلًا أن يصلي بهم عشرين ركعة.
وهو ضعيف أيضًا لأجل الانقطاع, فإن يحيى بن سعيد الأنصاري لم يُدرِكْ عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فإنه توفي سنة مئة وأربع وأربعين للهجرة بعد وفاة عمر بن الخطاب بمئة وعشرين سنة.
الخلاصة: إن الصحيح والثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو إحدى عشرة ركعة في قيام الليل فحسب, لا غيرها؛ سواء كان عشرين, أو إحدى وعشرين, أو ثلاثة وعشرين, فكلها وردَتْ بأسانيد ضعيفة, أو مخالفة لما هو أولى منها, فهي إما شاذَّة أو مُنكَرة, والله أعلم.
يا شيخ الفاضل :هل تجد في هذه الأيام من يقرأ إحدى عشرة ركعة وهو يعتمد ويتكئ على عصيه ويقرأ مائتين ولا ينصرف إلا في فروع الفجر؟
بارك الله فيكم ونفع بكم الأمة الاسلامية
بارك الله فيكم شيخنا الفاضل
أدام الله عزكم و أطال بقاءكم ونفع بكم أمة الإسالام